كما رأينا أكثر من ثلث اليابس في الكرة الأرضية ولها أراضي شاسعةفي مختلف أنحاء العالم، وهذه الممتلكات تمتاز بكثرة إنتاجها للمواد الخام للصناعة، فمثلاً نستورد القطن من الهند ومصر والسودان وينيا وغيرها، والصوف من أستراليا، والمطاط من المناطق الاستوائية بأفريقيا ومن جزر الهند الشرقية الخ.
ومما يساعد بريطانيا سهولة اتصالها بمختلف أنحاء العالم، فلها أسطول تجاري كبير هو أكبر أساطيل العالم طولاً، بل أكثر من هذا أن بريطانيا قد عنيت تمام العناية بالمواصلات في داخلها، فاستغلت أنهارها وقنواتها للملاحة، وعبدت الطرق الزراعية، ومدت السكك الحديدية مما جعل المواصلات بها ميسورة مريحة: مائية وبرية وجوية.
هذه العوامل مجتمعة هي التي أدت إلى قيام الصناعة في بريطانيا، وأنا أحب أن أضرب للقارئ مثلاً يبين فوائد الصناعة من الجهة المادية: فقنطار القطن يباع في مصر بعشرين جنيهاً ثم ينتقل إلى إنجلترا حيث يغزل وينسج ويرد إلى مصر ليباع به، ووزن القنطار مائة رطل، ووزن المتر من النسيج أوقيتان تقريباً فيكون وزن الرطل يعادل خمسة أمتار تقريباً، وإذا افترضنا للمتر ثمناً ٢٠ قرشاً يكون ثمن الرطل من النسيج مائة قرش ويكون ثمن القنطار مائة جنيه، وبذا يكون الربح في قنطار واحد ثمانين جنيهاً.
وتمتاز الصناعة في بريطانيا بتخصص كل منطقة صناعية في صناعات معينة: فتقوم صناعة القطن في منطقة لنكشير وأعظم مراكز غزله ونسيجه مدينة مانشستر، وأكبر موانئ تصديره لبفربول. وتقوم صناعة الصوف في يور كشير وأعظم مراكز غزله ونسيجه مدينة ليدز. وتقوم صناعة الأسلحة والآلات القاطعةفي وسط إنجلترا وأهم مراكزها شفلد وبرمنجهام، أما صناعة بناء السفن فأهم مراكزها جلاسجو ونيوكاسل وبورتسموث وبلموث وبلفاست وأما لندن فهي عاصمة بريطانيا العظمى والإمبراطورية البريطانية. وقديماً كان الرومان يقولون (كل الطرق تؤدي إلى روما) لأنها كانت العاصمة للإمبراطورية الرومانية، وفي العصور الوسطى كانت بغداد أكبر مدن العالم لأنها كانت عاصمة الإمبراطورية الإسلامية، وأما في عصرنا الحاضر فإن لندن هي أكبر مدن العالم، ونظرة واحدة إلى خريطة تبين الخطوط الملاحية للأساطيل التجارية تريك أنها جميعاً تتجه إلى لندن!!