كثير من شعره الخلو من المعنى، وخصوصاً في قصائده التي كان يلقيها في الحفلات التي يدعى إليها، لأنه كان يعتمد على التأثير على السامعين بالألفاظ لا بالمعاني، وبعبارة أخرى خلو شعره من الفن الصادق الذي يتسم به شعر شوقي. وقد يقول قائل إنني بهذه الكلمة أتجنى على المرحوم الرصافي وأنا عراقي، ولكنني أقول إن هذا هو الحقيقة، لأنني لا زلت من أشد المعجبين حماسة بوطنيته وإبائه، وقد نوهت عن ذلك في سلسلة مقالات نشرتها في مجلة الحديث الحلبية قبل سنتين، كما قلت في رثائه من قصيدة طويلة:
فدعوا القريض لأهله فعميده ... معروف غادر عرشه محزونا
الشاعر الحر الذي بيراعه ... راع (الملوك) وورع (الطاغينا)
فأنا الآن إذن لا أتحامل ولكني أقرر الواقع، وهاهي قصيدة شوقي الخالدة، وبرغم أنها نظمت سنة ١٩١٨ فهليستطيع أن ينظم شاعر مهماً دان له البيان مثلها؟!
خطونا في الجهاد خطى فساحاً ... وهادنا ولم نلق السلاحا
رضينا في هوى الوطن المفدى ... دم الشهداء والمال المطاحا
ولما سلت البيض المواضي ... تقلدنا لها الحق الصراحا
فحطمنا الشكيم سوى بقايا ... إذا عضت أريناها الجماحا
وقمنا في شراع الحق نلقي ... وندفع عن جوانبه الرياحا
نعالج شدة ونروض أخرى ... ونسعى السعى مشروعا مباحا
ونستولي على القسمات إلا ... كمين الغيب والقدر المتاحا
ومن يصبر يجد طول التمني ... على الأيام فقد صار اقتراحا
وأيام كأجواف الليالي ... فقدن النجم والقمر اللياحا
قضيناها حيال الحرب نخشى ... بقاء الرق أو نرجو السراحا
تركن الناس بالوادي قعوداً ... من الاعياء كالإبل الرزاحى
جنود السلم لا ظفر جزاهم ... بما صبروا ولا موت أراحا
فلا تلقى سوى حي كميت ... ومنزوف وان لم يسق راحا
ترى أسرى وما شهدوا قتالاً ... ولا اعتقلوا الأسنة والصفاحا
وجرى السوط لا جرحى المواضي ... بما عمل الجواسيس اجتراحا