في عصرنا الحاضر نواجه مشكلات واجهتها الأمم الأوروبية في القرن التاسع عشر وتغلبت عليها. ولعل من الخير لنا أن نعرف كيف تغلبت أوروبا على هذه المشكلات حتى ننتفع بتجاربها ونستفيد منها.
تنقسم المشكلات التي نواجهها إلى قسمين: ١: مشكلات سياسية وقومية وأهمها الوحدة والجلاء، وسأتناولها بالبحث حين أتحدث عن ألمانيا وإيطاليا.
٢: مشكلات اقتصادية واجتماعية وهي ناشئة عن دخول مصر في الدور الصناعي، وسأتناول فيما يلي البحث في الانقلاب الصناعي في إنجلترا والمشاكل التي قامت بسببه وكيف عالجتها وتعالجها إنجلترا.
الانقلاب الصناعي:
يقول أن أحد المؤرخين (إن الناس قد ظلوا حتى أواخر القرن الثامن عشر يفلحون أرضهم وينسجون ملابسهم وينشرون أخشابهم ويصنعون قواربهم كما كان يفعل قدماء المصريين.) وهذا القول صحيح من دون شك؛ ولكن الجزء الأخير من القرن الثامن عشر قد شاهد انقلابين خطيرين وخطرين جداً؛ وهما في الواقع أساس الحضارة الحديثة.
أما الانقلاب الأول فهو الثورة الفرنسية، فهذه الثورة هدمت الأنظمة السياسية والاجتماعية التي كانت قائمة في ذلك الوقت، وأقرت الحرية والإخاء والمساواة في الحقوق والواجبات للناس جميعاً، وكذلك أقامت مبدأ سيادة الشعوب إذ قررت إن الأمة مصدر السلطات. وهكذا بدأ قيام الديمقراطية الحديثة.
أما الانقلاب الثاني فهو الانقلاب الصناعي، وهذا الانقلاب ليس أقل تأثيراً في حياتنا المعاصرة من الانقلاب الأول، بل ربما كان اعظم منه أثرا واشد منه خطراً. ذلك انه في الوقت الذي كان رجال الجمعية الوطنية في فرنسا يثيرون اهتمام الناس بخطبهم ومبادئهم الجديدة، وفي الوقت الذي كان نابليون يشغل أذهان الأمم والدول بحروبه ومعاركه، كان هناك رجال يوجهون اهتمامهم إلى المرأة التي تدبر المغزل في منزلها، وإلى النساج الذي يحرك نوله في بطأ، وإلى عمال المناجم وهم يكافحون المياه التي توشك أن تغمر مناجمهم، وقد ظل هؤلاء الأبطال في جهادهم حتى اهتدوا إلى اختراعات غيرت أساليب الصناعة وبالتالي غيرت مجرى حياة الإنسان. وقد كان أهم هذه الاختراعات من غير شك استخدام