للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد أحببنا أن تقصر مما ذكر على أمس مما نحن بصدده (العلة الأولى) وهي فساد الإسناد. وهذه العلة هي أشهر العلل عند الناس حتى أن كثيراً منهم يتوهم أنه إذا صح الإسناد صح الحديث! وليس كذلك فإنه قد يتفق أنيكون رواة الحديث مشهورين بالعدالة معروفين بصحة الدين والأمانة غير مطعون عليهم ولا مستراب بنقلهم ويعرض مع ذلك لأحاديثهم أعراض على وجوه شتى من غير قصد منهم إلى ذلك. والإسناد يعرض له الفساد من أوجه شتى من غير قصد منهم إلى ذلك. والإسناد يعرض له الفساد من أوجه: منها الإرسال وعدم الاتصال، ومنها أن يكون بعض رواته صاحب بدعة أو منهما بكذب وقلة ثقة، أو مشهوراً ببله وغفلة، أو يكون متعصباً ثم الصحابة منحرفاً عن بعضهم، فإن كان مشهوراً بالتعصب ثم روى حديثاً في تفصيل من يتعصب له ولم يرد من غير طريقة لزم أن يستراب به، وذلك أن إفراط عصبية الإنسان لمن يتعصب له وشدة محبته يحمله على افتعال الحديث وإن لم يفتعله بدله غير بعض حروفه. ومما يبعث على الإسترابة بنقل الناقل أن يعلم منه حرص على الدنيا وتهافت على الاتصال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عندهم. فإن من كان بهذه الصفة لم يؤمن عليه التغير والتبديل والافتعال للحديث والكذب حرصاً على مكسب يحصل عليه.

وقد روى أن قوما من الفرس واليهود وغيرهم لما رأوا الإسلام قد ظهر وعم، ودوخ وأذل جميع الأمم، ورأوا أنه لا سبيل إلى مناسبته رجعوا إلى الحيلة والمكيدة فأظهروا الإسلام من غير رغبة فيه، وأخذوا أنفسهم بالتعبد والتقشف. فلما حمد الناس طريقتهم ولدوا الأحاديث والمقالات وفرقوا الناس فرقاً. وإذا كان عمر بن الخطاب يتشدد في الحديث ويتوعد عليه والزمان زمان والصحابة متوافرون، والبدع لم تظهر والناس في القرن الذي أثنى عليه رسول الله (ص)، فما ظنك بالحال في الأزمنة التي ذمها وقد كثرت البدع وقلت الأمانة. . .

(العلة الثانية) وهي نقل الحديث على المعنى دون اللفظ بعينه، وهذا باب يعظم الغلط فيه جدا، وقد نشأت منه بين الناس شعوب شنيعة، وذاك أن أكثر المحدثين لا يراعون ألفاظ النبي (ص) التي نطق بها، وإنما ينقلون إلى من بعدهم معنى ما أراده بألفاظ أخرى، ولذلك الحديث الواحد في المعنى الواحد يرد بألفاظ شتى ولغات مختلفة يزيد بعض ألفاظها على

<<  <  ج:
ص:  >  >>