فيقول له الخليفة: اذهب وأنت حر، ودعني وما أنا فيه حتى يجعل الله لي منه مخرجا
ويحرم عمر أولاده المال ويباعد بينهم وبين ترف أولاد الخلفاء، حتى يموت وليس عند أولاده شيء. ولقد أحضرهم قبل موته وهم يومئذ اثنا عشر غلاما فجعل يصعد النظر فيهم ويصوبه حتى اغرورقت عيناه بالدمع ثم قال: (بنفسي فتية تركتهم! يا بني إني مثلت رأيي بين أن تفتقروا في الدنيا وبين أن يدخل أبوكم النار، فكان أن تفتقروا إلى آخر الأبد خيرا من دخول أبيكم يوما واحد في النار. قال الرواة - فما احتاج واحد من ولد عمر ولا افتقر
أما الشعراء فكانوا في ذلك العصر الصعاليك السادة، يسيطرون على الحياة الأدبية في الدولة، ويعيشون عيشة الترف والنعيم، يأخذون من عطايا الخلفاء وجوائزهم، فما هو إلا أن ينبغ الشاعر حتى يقصد الوالي فيمدحه، ثم تسمو همته فيرحل إلى الخليفة ويمدحه فيرجع بالمال الوفير والخير الكثير ولم يكن الشاعر من هؤلاء. يعنيه أن يقول الحق أو الباطل، بل كثيرا ما كان يقول غير ما يعتقد، ويعتقد غير ما يفعل. وكان الخلفاء يبذلون للشعراء بسخاء ويعطونهم من بيت مال المسلمين ما نعده نحن إسرافا وفوق الإسراف، بل وما كان بعده معاصروهم من المتورعين ظلما للمسلمين واعتداء على حقوقهم. ولكن الخلفاء كانوا مستريحين إلى هذه الحال، لأن الشعراء في ذاك الوقت أشبه بالصحف الحزبية في وقتنا الحاضر ينشرون فضائل الأصدقاء، ويذيعون مساوئ الأعداء، وكان الأمويون بخاصة يريدون أن يشغلوا الناس حتى لا يتحدثوا في السياسة العليا ووجدوا في الشعراء شاغلا لهم أي شاغل. وقل من الشعراء من كان يربأ بنفسه أن يكون مطية لخليفة أو والي أو أمير. وقف عمران بن حطان الخارجي على الفرزدق وهو ينشد شعره فقال عمران:
أيها المادح العباد ليعطي ... أن لله ما بأيدي العباد
فاسأل الله ما طلبت إليهم ... وارج فضل المقسم العواد
لا تقل للجواد ما ليس فيه ... وتسم البخيل باسم الجواد
ولكن هيهات أن يستجيب الفرزدق أو أحد أصحابه الشعراء لهذا النبل. وقد كان من عادة الشعراء أن يفدوا على الخليفة الجديد يهنئونه وينالون منه يسره وخيره فلما تولى عمر بن عبد العزيز وفدوا إليه - كعادتهم - مؤملين طامعين واجتمعوا ببابه منتظرين الإذن، ولكنه