وقد تعمد أفلاطون في هذا الحوار أن يسوق إلى القارئ أبرز ما حدث لسقراط في حياته ليكون عنه فكرة متصلة، وقد كان أفلاطون في ذلك قديراً ماهراً، حتى لا يكاد يشعر القارئ أن تلك الحوادث أضيفت إضافة مدبرة، بل جاءت عفواً كما اقتضى منطق الحديث.
يبدأ سقراط في هذا الدفاع، أو إن شئت تعبيراً دقيقاً فقل يبدأ أفلاطون في دفاعه عن سقراط، بأن قسم المتهمين إلى قسمين: الرأي العام من ناحية، وطائفة من الأشخاص النابهين من جهة أخرى؛ ثم لخص للقضاة نقط الاتهام، وأخذ يفندها واحدة فواحدة. وعلى الرغم من هذا فقد حكم عليه بالموت. ولما طلب إليه أن يقترح حكماً - كما جرت بذلك عادة القضاء الأثيني - لتقف المحكمة موقفاً وسطاً بين الحكمين، أجاب في تهكم لاذع وحكمة نادرة. وانتهى الأمر وقضي عليه بالموت.
نص الحوار
لست أدري أيها الأثنيون كيف وقعت من نفوسكم خطب متهمي، أما أنا فقد أحسست لكلماتكم الخلابة أثراً قوياً أنسيت معه نفسي وإنهم لم يقولوا من الحق شيئاً. ولشد ما دهشت إذ ساقوا في غمر باطلهم نذيراً لكم أن تكونوا على حذر فلا تخدعكم قوة فصاحتي. يا خجلتهم مما يزعمون! فإذا نبست ببنت شفة نهضت لكم دليلاً على عي لساني وافتضح أمرهم، وإنهم بذلك عالمون، ولكنهم يمارون ولا يخجلون. أم تراهم يطلقون الفصاحة على قوة الحق؟ إذن لأشهدت أني مصقع بليغ. . ألا ما أبعد الفرق بيني وبينهم! فهم كما أنبأتكم لم ينطقوا كلمة صدق ولم يقولوا إلا كذباً، أما أني فخذوا الحق مني صراحاً، ولن أصوغها عبارة منمقة كما فعلوا، ولكني سأسوق الحديث إليكم عفو ساعته، ولست أشك في أنه الحق. فلن أقف يوماً بينكم أيها الأثنيون موقف الخطيب ما دمت حياً، فلا يرجن الآن أحد مني خطاباً، وعلي أظفر منكم بهذا الفضل: إن جاءت في دفاعي كلمات قلتها من قبل، وسمعها بعضكم في الطريق أو عند موائد الصيارفة أو في أي مكان آخر، فلا تدهشوا ولا تقاطعوا الحديث، لأنني أقف - وقد نيفت على السبعين عاماً - للمرة الأولى في ساحة القانون، فلم آلف هذا المكان، ولم أتعود تقاليده وطرائقه، فانظروا إلي نظركم إلى الغريب تلتمس له المعذرة لو جرى لسانه بلغة قومه ولهجة وطنه. وما احسبني بذلك أطلب شططاً، فدعكم من