للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الواقع أن تفسير فرويد للنسيان في المجال العادي لا يمكن قبوله بسهولة. فمثلا يذكر (بير أنه نسى مرة مظلته بعد أن ألقى محاضرة في بلدة ما، ولم يجد أي تفسير شخصي لذلك النسيان كأن يقال تبعا لفرويد إنه كان مكرها على إلقاء هذه المحاضرة. . الخ إن السبب الوحيد هو عدم الانتباه. ويعترف (بير) بأنه أن كان حقا هذا التفسير لا يوضح لنا العلة في نسيان المظلة وعدم نسيان أي شئ آخر إلا أنه لا يمكن إنكار أن هذه العمليات الذهنية من عدم انتباه وتشتت الفكر. . الخ تساعد على النسيان كما تشجع الظلمة والوحدة اللص على السرقة.

وبالمثل يفند (دوجاس أقوال فرويد فيتذكر أن (نيوتن) نسى لزمن معين اكتشافه الخاص بحساب التفاضل، وكان (لينيه ينسى أحيانا أنه المؤلف أثناء انهماكه في قراءة مؤلفاته فكان يصيح قائلا: (ما أجمل هذا. .! ليتني أستطيع كتابة شئ مثله. .! ويقول (بسكال) إننا لو أجرينا له امتحانا فجأة دون سابق إنذار في محتوى مؤلفاته فإنه ربما يفشل في الإجابة. فلو أخذنا برأي (فرويد) فإن مثل هذا النسيان سيرد إلى عقدة مهنية ولكنه واضح أنه تفسير غير مقنع. فهنا كما يقول (دوجاس) يجب الرجوع إلى طبيعة الأشياء، فالنفس تستبعد منتجاتها الناضجة أو الأفكار والمشاعر التي لا تجد فيها ما يثير اهتمامها. إنها تنساها ولا تبالي بها، فهي تحاول التحرر من الأفكار كما تتحرر من الأهواء، ويقول (جتيه) إنه لا يكترث بالمؤلف الذي انتهى، فهو لا يشغله بعد ذلك لأنه ستوق إلى شئ جديد. فالمؤلف يصطنع حالة عقلية معينة لكل مؤلف من مؤلفاته. فطبيعي أن يترك هذه الحالة بانتهاء موجبها. ومثله كمثل الذي يتقمص شخصيات مختلفة تبعا للأدوار التي يقوم بها. فما لا شك فيه أن هذا النسيان أمر طبيعي. أما النسيان الذي يكون فيه فقدان دون تعويض، فتختفي الأفكار اختفاء تاما وتعرض وحدة الذات للخطر، ويحطم الاتزان العقلي. . ويكون هذا بداية لاضطراب نفسي. . فهنا هو النسيان المرضي.

في الواقع إن تطرف (فرويد) يرجع إلى أنه يقيم آراءه على حتمية صارمة. فما يحدث في النفس ليس بظواهر سابقة عليها وأخرى لاحقة بها. إنه لا يوجد محل للصدفة في المجال الجسمي؛ وكذلك يجب أن يكون الحال في الميدان العقلي. لهذا لا يقتنع فرويد برد بعض الأفعال إلى العادة؛ ولا يعترف بعلل عدم الانتباه والسهو وما شابه ذلك. ولكننا شاهدنا ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>