للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلسطين حتى اقضوا مضاجعهم وجعلوا مقامهم في الأرض كريهاُ بغيضاُ ممقوتاُ. . . أو لو إنكم تصرفتم مثل تصرف الثائرين في ايرلندا، على ذلك النحو الفدائي المتطرف، المنظم غاية التنظيم، أو لو إنكم، حتى، جربتم خطة غاندي في (المقاومة السلبية) والمقاطعة المنتظمة المحكمة، لكل ما هو صناعة بريطانية، إذن لوصلتم إلى أهدافكم المحبوبة بسهولة ويسر

وطال تفكيري في قول ذلك الناصح الأوربي الصديق، حتى رجعت إلى الوطن أخيراُ ورأيت كيف لا نزال نتردد في إلغاء معاهدة ١٩٣٦ حتى بعد ذلك التعنت الصارخ والجهر الصريح الواضح من جانب المسئولين البريطانيين بعدم الوفاء بحقوقنا الأساسية: في الجلاء والوحدة. ورأيت كيف يتقرب بعض الكبراء في أحاديثهم الصحفية إلى الإنجليز ويعرضون خدماتهم عند الاقتضاء متحدين بذلك إجماع البلاد حكومة وشعبا، ومعلنين عن نفسية منهارة رخيصة، وتفكير معاد للوطنية مسموم بغيض. . . ثم رأيت كيف يتهافت الشباب المصري على العمل مع القوات البريطانية في منطقة القنال، وكيف يؤثر التجار المصريون بيع الحاصلات المصرية الصميمة إلى زبانية الاحتلال، ويحرمون منها مواطنيهم، وذلك لقاء ربح هين يسير!

ورأيت بعد ذلك كله كيف نواجه الموقف الضنك العصيب، بالخطب المجلجلة الطنانة الخاوية، وبالتهيج الشعبي الرخيص الذي ملت منه البلاد وسئمته، بالهتاف المدوي تعلو به الحناجر، وبالصفيق الموسيقي الرائع، وبحمل القادة المتزعمين والمتطلعين إلى التزعم على الأعناق، وبالتفكير في الاتجاه - هذه المرة وبعد كل تجاربنا المريرة المحزنة - إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدلاً من مجلس الأمن نفسه، وبإعلان الشباب المصري المرجو في يومالصدام الحقيقي والعمل الصحيح بدء الصيام حتى تلغى المعاهدة، وهذا - مع عظم إجلالي واحترامي للفكرة السامية في حد ذاتها - أسلوب في الكفاح عفي عليه الزمان، واصبح لا يقدم ولا يؤخر ولن يزيد المعتدين إلا غلوا وإغراقا في العدوان. وهبنا جمعياً صمنا عن الطعام حتى يخرج المحتلون من الديار فهل ثمة عاقل ينتظر من الإنجليز العطف علينا والإبقاء على حياتنا بتقرير الجلاء حينذاك؟ احسب أن فرحة الإنجليز سوف يكون عظيمة إذا فني الشعب المصري كله عن آخره واستقر لهم الأمر في هذه البلاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>