علم العدد وهو أكثر العلوم الرياضية تجريداً، ولذلك كان أبطأها ترقياً وتطوراً. ففكرة العدد التي هي أساس هذا العلم لم تستقر إلا بعد تطورات طويلة تقلبت فيها البشرية. فالإنسان في حالته الابتدائية لا يدرك منها سوى الوحدة والكثرة، فهو يعلم الواحد والاثنين والكثير، ولا يفرق بين العدد والمعدود، ولربما اختلفت أسماء الأعداد باختلاف معدوداتها، إذ ليس للعدد المجرد مفهوم عنده، ولذلك يستعين بأصابعه وكثير من أعضائه أو بالحصى والأحجار في التعداد، ومن ثمة كان اعتبار العشرة والعشرين أساساً في الترقيم بحسب أصابع اليدين أو أصابع اليدين والرجلين عند الأقوام الحفاة الأقدام.
وكان اليونان يفرقون بين الحساب العملي والحساب النظري، ومع ذلك كان علم الحساب عندهميبحث عما للأعداد من الخواص الغريبة مما نقل منه الكثير إلى العربية، ولا أعني بالخواص الغريبة هنا السحرية ولكن العملية، كمساواة كل عدد لنصف حاشيتيه، أي العدد الذي قبله والعدد الذي بعده، وكالخواص التي يذكرونها لهذه الأعداد (وهي سلسلة هندسية أساسها الاثنان ومبدؤها الواحد): ١، ٢، ٤، ٨، ١٦، ٣٢ من أنك إذا جمعت الأعداد من الواحد إلى أي عدد منها يكون الحاصل أنقص من العدد الذي انتهيت إليه بواحد، فلو جمعت الواحد والاثنين والأربعة بلغت سبعة، وهي أقل من الثمانية بواحد، ويسمون كل عدد من هذه السلسلة (ما عدا الواحد طبعاً) زوج الزوج، وهو الذي إذا قسمته على اثنين بصورة متوالية تنتهي إلى الواحد.
وقد تأخر هذا العلم لأسباب، منها فقدان أصول حسنة للتعداد عند اليونان، فقد كانت طريقتهم في كتابة الأعداد صعبة المسلك يتعسر بواسطتها إجراء العمليات الحسابية، وهي الطريقة التي يستعملها الغربيون اليوم في بعض المواضع ويسمون أرقامها الأرقام الرومانية وهي هذه , , , , , , , بالعربية: ١، ٥، ١٠، ٥٠، ١٠٠، ٥٠٠، ١٠٠٠.
ومن أسباب تأخرهم أنهم كانوا يسلكون في إثبات المسائل العددية طرقاً هندسية، وعلى هذا سار أقليدس في أصوله، فلم يفصل العدد عن المقادير الهندسية. ومنها أيضاً فقدان الإشارات والرموز في العمليات الحسابية. والخطوة العظيمة التي خطاها هذا العلم هي