للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين

وفي الحق أن أبا فراس كان عالي النفس سواء في حديثه مع نفسه أو عند المحنة النازلة، فما كانت صفته هذه لتزايله فتى أو ملكاً أو أسيراً في بلاد الروم:

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى ... ولا فرسي مهر ولا ربه غمر

ولكن إذا حم القضاء على امريء ... فليس له بر بقيه ولا بحر

وقال أصيحابي الفرار أو الردى ... فقلت هما أمران أحلاهما مر

ولكنني أمضي لما لا يعيبني ... وحسبك من أمرين خيرهما الأسر

ولا خير في دفع الردى بمذلة ... كما ردها يوماً بسوأته عمرو

ونحن أناس لا توسط بيننا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلا ... وأكرم من فوق التراب ولا فخر

ثم هو القائل يحدث نفسه، متثبتاً من خطاه في مدارج العلياء:

وما عابك ابن السابقين إلى العلا ... تأخر أقوام وأنت مقدم

وليس تميم بن المعز لدين الله الفاطمي أقل من أبي فراس في هذه الحلبة إذ يقول:

وإني لألقي كل خطب بمهجة ... يهون عليها منه ما يتصعب

وأستصحب الأهوال في كل موطن ... ويمزج لي السم الزعاف فأشرب

فما الحر إلا من تدرع عزمة ... ولم يك إلا بالقنا يتنكب

ومالي أخاف الحادثات كأنني ... جهول بأن الموت ما منه مهرب

خليلي ما في أكؤس الراح راحتي ... ولا في المثاني لذتي حين نضرب

ولكنني للمدح أرتاح والعلا ... وللجود والإعطاء أصبو وأطرب

ومن بين جنبيه كنفسي وهمتي ... يروح له فوق الكواكب مركب

وهذا الزمخشري يرى أن المجد مكسوب لا موهوب، فيقول:

(لا تقنع بالشرف التالد، وهو الشرف للوالد، واضمم إلى التالد طريفاً، حتى تكون بهما شريفاً، ولا تدل بشرف أبيك ما لم تدل بشرف فيك، إن مجد الأب ليس بمجد، إذا كنت في نفسك غير ذي مجد، الفرق بين شرفي أبيك ونفسك، كالفرق بين رزقي يومك وأمسك،

<<  <  ج:
ص:  >  >>