للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ترى ماذا يكون الموقف لو لم يسعفنا المتنبي بشيء عن حياته الخاصة ومن كان يعاشرهم من الناس بمصر.

هل يستطيع عالم أن يقوم بهذا بالنصوص التي بين أيدينا؟

لا شك في أن جنان بني مسكين وسوق حبة من الممكن أن نحددهما وكذلك امتداد العمار السابق في الفسطاط ومصر وحول مدائن العسكر والقطائع ومن هنا تبعث مصر الإخشيدية: إنها في حاجة إلى من ينير لنا الطريق لكشفها وتحديدها.

وإن كان المقريزي ينير لنا السبيل إذ يقرر في صفحة ٢١٥ عند كلامه على خطط مصر خارج باب زويلة (إن الموضع المقابل لمشهد زين العابدين كانت كله تشغله بساتين شرقيها عند المشهد النفيسي وغربيها السبع شكايات ومنها بساتين عرفت بجنان بني مسكين وعندها بنى كافور الإخشيدي داره على البركة التي تجاه الكبش والتي تعرف اليوم ببركة قارون،

هذه لمحة لما كانت عليه صورة مصر حين عاش فيها المتنبي. .

ولا أشك في أن الفسطاط كانت مدينة لها مكانتها التاريخية وأثرها في حياتنا الأدبية والتاريخية والسياسية. إنها البوتقة الأولى التي انصهرت فيها القومية المصرية الإسلامية العربية ولذلك تغمرني الأحزان حينما أراها في الحالة التي هي عليها اليوم.

وتعود بي الذكريات إلى مدينة بومبي الأثرية الرومانية بجوار نابولي. لقد زرتها هذا العام - فدهشت حينما رأيت هذا التقدم في الكشف عن المدينة المطمورة وإعادة شوارعها ومبانيها وبعض منازلها وأسماءها إلى الحال التي كانت عليها حينما دهمتها ثورة البراكين، هذه المدينة القاتمة التي أخرجها العالم. .

نعم إن الأستاذ الإيطالي أميديو انيوري، الذي يشرف على أحيائها، واحدة من سلسلة طويلة من علماء العالم الذين كرسوا حياتهم وأفنوا أيامهم في سبيل بومبي.

فهل تجد الفسطاط عالماً أثرياً واحداً، يفني بعض السنوات في إحيائها وضبط معالمها وإعادتها إلى النور؟ إنها تستحق هذه العناية لأننا جزء مكمل لتاريخها، وما رأيت بلد تنكر لماضيه الحي غيرنا، إن بانيها عمرو بن العاص وهو أب للمصريين جميعاً. . على ما أعتقد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>