للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن الروح الكبيرة هي في حقيقتها الطفل الملائكي.

وعِلمُ خسائس الحياة يجعل للإنسان في كل خسيسةٍ نفساً تتعلق بها، فيكون المسكين بين نفسين وثلاث وأربع، إلى ثلاثين وأربعين، كلهن يتنازعنه فيضيع بهذه الكثرة، ويصبح بعضه بلاءً على بعض، وتشغله الفضول، فيعود لها كالمزبلة لما أُلقى فيها، ويمحق في نفسه الطبيعية حس الفرح بجمال الطبيعة، كما يُمحق في المزبلة معنى النظافة ومعنى الحس بها.

هذه الأنفس الخيالية في هذا الإنسان المنكود، هي الأرواح التي ينفخُها في مصائبه، فتجعلها مصائب حية تعيش في وجوده وتعمل فيه أعمالها، ولولاها لماتت في نفسه مطامع كثيرة، فماتت له مصائب كثيرة.

انظر بالروح الشاعرة، تَرَ الكون كله في سمائه وأرضه انسجاماً واحداً ليس فيه إلا الجمال والسحر وفتنة الطرب، وانظر بالعقل العالم، فلن ترى في الكون كله إلا مواد علم الطبيعة والكيمياء.

ومدى الروح جمال الكون كله؛ ومدى العقل قطعة من حجر أو عظمة من حيوان، أو نسيجةٌ من نبات، أو فلذةٌ من معدن، وما أشبهها.

أجهل جهلك يا صاحبي؛ ففي كل حسنٍ غزلٌ، بشرط ألا تكون العاشق الطامع، وإلا أصبت في كل حسنٍ هماً ومشغلة. . .!

قلت لنفسي: إلى الآن لم أقل لك ذلك المعنى الذي كتمته عنك.

وقالت لي النفس: وإلى الآن لم أقل لك إلا جواب ذلك الذي كتمته عنى. . .؟

طنطا

مصطفى صادق الرافعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>