قلت:(يا صاحبي. لو رأيتها لما قلت (فتاة) بهذه اللهجة التي أنكرها ولا أرضى عنها. إنها فتاة رائعة. وإني لرجل متزن الأعصاب في العادة، ولكني أرجو أن تثق أنها فتنتني. وإني لآسف على حرمانك هذه المظلة الثمينة - أو التي كانت ثمينة منذ أربع سنوات - ولتكن عليك أن تتعزى بأن التي تحملها الآن أجمل فتاة على ظهر هذه الأرض، وأنك أنت سبب سعادتها في هذه اللحظة، وأن اسمك سيخلد في التاريخ، وأنى لو كنت شاعراً لقلت أبياتاً أخلد فيها صنيعك الحسن هذا، وإن أبنائي سيحفون بي كل ليلة ويطلبون أن أقص عليهم كيف فقد صاحبي العظيم مظلته الغالية. . .).
ولم أتم خطبتي لأنه خرج مغضباً، فأمسكت وحمدت الله!
وحمل إلى البريد رسالة غريبة هذا نصها بعد الديباجة المألوفة:(إن ما أقرأه لك يحملني على الثقة بأنك لن تخيب رجائي فيك. فهل لك أن تقابلني أمام باب (جروبي) الساعة السابعة من مساء اليوم؟ ولا أجرؤ أن أبدو لك حتى تبدو لي، فإذا صدق ظني فيك فلعلك تتفضل بأن تضع في عروتك زهرة من زهور (الأرواله) البيضاء، لأعرفك بها، وزيادة في الحيطة أرجو أن تقول لي (لا مطر غداً) فأقول لك (لم ولماذا وكيف يكون ذلك) فلا تنس).
ولم يكن على الرسالة توقيع، فلم أشك في أنها فتاة مصرية لم تألف أن تدخل (جروبي) وتجلس في حديقته، ولكنها تسمع باسمه فهي تقف عند بابه، فما يعقل أن يكون كل هذا الحرص والحذر من رجل، واطمأنت نفسي بعد أن خلصت إلى هذه النتيجة، وشكرت الحظ الذي أبعد عني صاحبي قبل أن تردني هذه الرسالة، بدقائق، ولو أنه كان معي لأطلعته عليها بلا أدنى ريب، ولكان المحقق أن يسبقني إلى باب (جروبي) فيطردني بوجوده، عنه. واشتريت الزهرة المطلوبة، ووضعتها في العروة، وأخرجت منديلاً وظلت أرفع يدي به وهو منشور إلى أنفي لأحجب هذه الزهرة عن العيون، فقد كانت كبيرة وأنا أخجل أن أضع على صدري زهراً ولو كان في حجم الحمصة، ووقفت بباب جروبي أتأمل الداخلين والداخلات، والخارجين والخارجات، وأشاور نفسي وأسألها كيف أقدم على خطاب من لا أعرف؟
ولم يكن ثم بد من الإقدام، فما اشتريت الزهرة البيضاء الكبيرة وغرستها فوق حبة قلبي