الأديب الحق والفنان الأصيل، في النتاج رهينة بعمق امتلائه مما يهزه، وبمعالجة هذا معالجة إنسانية طريفة.
إلا أن هناك فترات في حياة الشعوب نرى لزاما على الأدب والفن أن يكونا خالصين متوفرين، لخدمة المجتمع في أهم ما يشغله، سواء كان هذا الشاغل عرضا إلى زوال، أو مبدأ قد يغير من جوهره على مر الأيام.
وأهم هذه الفترات - ولا شك - تلك الفترة التي يعبر بها شعب مرحلة تقرير المصير، واستخلاص كيانه الذاتي، وفرض إرادته لمسايرة ركب الحياة في دنيا الحرية والكرامة.
وما أظن أن هناك فترة في تاريخ مصر أدق وأخطر من تلك التي فيها الآن، فهي فترة النضال الحاسم من أجل الحرية، وساعة الكفاح الأخير في سبيل العزة والكرامة، فإن تخلف المسرح - وهو أدب وفن - عن مؤازرة الفكرة العاصفة السائدة، فكرة الكفاح، إذا لم يسخر المسرح المصري قواه لتغذية الوعي القومي، ومساندة عقيدة النضال، وذلك بتذكير الناس بما يجب أن يذكروه، وتبصيرهم بما يجب أن يكون مائلا في أذهانهم، إذا لم يؤد المسرح هذا الواجب فقد كتب على نفسه وبيده، أنه عالة على الحياة، وأنه مختلف عنها، وأنه غافل لا يحس نبض الواقع، والغافل والمتخلف غير جديرين بالحياة.
إن الحياة في مصر، والمسرح من عناصرها، تجري الآن متدفقة في مجرى واحد حفرة تاريخها المجيد وحاضرها الزاهر، وكرامتها وعزتها، فإذا لم تجند جميع عناصر هذه الحياة لهذه الغاية فما أقلنا جدارة بالحياة، وما أحرانا بأن نبقى نتطوح بين العبودية المقنعة وبين الذل السافر.
من أجل هذا، نقدم فخورين (مسرحية دنشواي الحمراء) دنشواي، الجرح الدامي في كرامة مصر منذ عام١٩٠٦، نقدم هذه الصفحة القائمة من حياة مصر في ظل الاستعمار، ولا نبالي أن يقال عنا إننا تركنا (الأبراج العاجية) إلى أديم الأدب المكافح، أدب الساعة الراهنة، ما دام ما نقدمه يحمل من السلامة والطرافة ما يحمل.
نقبل هذا، إذا ادعاه المدعي، فه أحرى بنا وأكرم من أن نتخلف عن الصف وهو يسير بين السويس، والإسماعيلية، وبور سعيد متعثرا بأشلاء مواطنيه الشهداء، وكل واحد في الصف قد حمل قلبه على يده، ونسي يومه وغده.