إن بين السبق والتخلف خطا دقيقا يتجاوزه الحر الأصيل فإذا هو مستول على القصب. وإن بين النصر والهزيمة خطوة ضيقة يخطوها الشهم الشمرى فإذا هو حائز للغلب. وإن المعالي شد حيزوم، وشحذ عزيمة، وتلقيح رأي سديد برأي أسد، وتطعيم عقل رشيد بعقل أرشد؛ ثم استجماع للقوة الداخلية كما يستجمع الأسد للوثبة.
ليت شعري. . لو لم تصنع مصر ما صنعت، فماذا كانت تصنع؟ أكانت تستخذى للغاضب فتبقى مقيدة به، يعادي فتعادي بلا سبب، ويحارب فتحارب بلا أجر ولا غنيمة، ويرضى فترضى بلا موجب، ويواصل فتواصل على مضض؟
وكنا نظن أن الإنجليز راجعوا بصائرهم، وأخذوا من تأديب الزمان بنصيب، ومحو سيئة الاستعمار بحسنة التحرير، وسنوا للمستعمرين الجائعين سنة التعفف - يوم حرروا الهند وباكستان - على ما في ذلك التحرير من شوائب - ويوم أعانوا سوريا ولبنان على التخلص من البلاء المبين. كنا نعتقد أَن تلك البوادر من إنجلترا - لو تمادت عليها - أصلح لها وأبقى على شرفها؛ لأن من ثمراتها أن تصير خصومها أصدقاء وأعوانا، ولكن معاملتها لمصر هذه المعاملة القاسية التي انتهت بالأزمة الحالية - كذبت ظنوننا، وسفهت اعتقادنا، وأقرت أعين المستعمرين أعداء التحرير
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، المعبرة عن إحساس الشعب الجزائري كله، تعلن تأييدها للشعب المصري وتضامنها معه في موقفه الحازم؛ ولا تصدها عن أداء واجبات الأخوة هذه الحدود الوهمية التي خطها الاستعمار بين أجزاء الوطن الواحد، ولا هذه السدود الواهية التي أقامها بين أبناء الوطن، لأن العواطف الجياشة كعثانين السيل لا تردها حدود ولا سدود.
وجمعية العلماء تحيي جهود الشعب المصري المجاهد في سبيل حريته واستقلاله، وتدعو له بالثبات في هذا المعترك الضنك، وبالانتصار في هذه المرحلة الحاسمة؛ وأن يكون انتصاره آية من الله يثبت بها عزائم المستضعفين، ويحل بها ما عقد الأنوياء. وإن الشعب الجزائري حين ظهر بهذا الإحساس الشريف الطاهر نحو أخيه الشعب المصري - إنما يقدم جهد المقل من قلوب ملؤها الحب لمصر، والاعتزاز بأخوة مصر، والإعجاب بما