للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لإسعادها وهناءتها، فكانت تقابل منه هذا العطف بالفتور؟ وكيف تستطيع أن تطلب منه أعز شيء لديه وما به يعيش ويحصل على قوته من الصيد به، وهل يحسن أن تحرم نبيلا من أنفس شيء لديه؟ احتارت في أمرها ولم تدر ماذا تجيب ابنها والتزمت الصمت، ولكن الطفل ما فتئ مهموما ملحا في طلبه، وفي نهاية الأمر تغلب الحب البنوي على كل اعتبار وعزمت على إرضاء ولدها بأي ثمن كان وصممت أن تعرفه بأنه سينال البازي وستذهب في طلبه، قالت له: (لا تحزن يا بني وفكر في شفائك وصحتك، وأول شيء سأعمله في الصباح هو الذهاب لإحضار الصقر. فسر الولد لهذا الوعد وتحسنت صحته في المساء.

وفي الصباح ذهبت أمه هي وإحدى السيدات إلى فريديريك، ولما دخلت وجدته في الحديقة ينظمها لأن هذا اليوم لم يكن مناسبا للصيد بالبازي، وقالت للخادم أن يعلمه مجيئها لتحدثه في شأن من الشؤون. تصور أيها القارئ دهش فريديريك ومفاجأته بهذا الخبر السار، فطار من الفرح عدوا لاستقبالها، وسلم عليها بكل احترام من بعيد، فتقدمت إليه مدام جان وحيته بكل لطف وأدب. وبعد تبادل التحية قالت له: (لقد أقبلت يا سيد فريديريك لأكافئك على العناية التي بذلتها حينما أحببتني حبا يزيد على المعقول، والمكافأة هي حضوري أنا والسيدة لنتناول الغداء معك) فأجابها بكل لطف وتواضع (إنني لم أخسر شيئا قط لأجلك، بل بالعكس فإنك أعددتني لكثير من المزايا. ولئن عرفت بشيء منها فالفضل راجع إلى العواطف التي نفحتني بها. وهذه المكرمة التي نفحتنيها اليوم لجليلة جدا، وقد أثلجت صدري وشرحت فؤادي. ومع إنني فقير فإنني لا أريد أن أبيع هذه المنة بثروتي التي فقدتها) وبعد هذه المجاملة اللطيفة صحبها إلى الحديقة وترك بصحبتها البستانية وصاحبتها التي أقبلت معها، وذهب ليهيئ الطعام. وهذا النبيل الشريف لم يشعر في حياته بقسوة وطأة الفقر مثل ما شعر بها في هذا اليوم الذي أقبلت فيه أعز الناس لديه، وكان بوده أن يهيئ لها وليمة فاخرة، فما باله إذا لم يجد شيئا لديه في هذه اللحظة الحرجة؟ فاستشاط غضبا ولعن ثروته الضائعة وأخذ يهرول في أنحاء البيت. والأدهى أنه لم يكن عنده درهم ولا شيء يقوم بقيمة حتى يرهنه. ولما اقتربت ساعة الغداء حار في أمره فوقع نظره بغتة على البازي الذي كان مطمئنا في قفصه فصمم على تضحيته ليقدم شيئا مناسبا للأيم التي شرفته بزيارته. ثم لوى عنقه ونتف ريشه ثم وضعه في النار ولما نضج الطعام ذهب إلى الحديقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>