الكاتب من رواسب هابطة، وشهوات مسفة!! وذلك مذهب محرج لاحت بوادره - بصورة خافتة - قبل ذلك في بعض مؤلفات الدكتور، ثم اشتعلت على صفحات البلاغ وفي ديوانه ألحان الخلود بنوع خاص!!
وقد كان الدكتور ذا صلات كبيرة بأعلام عصره في الأزهر والجامعة ودار العلوم والصحافة والجمعيات العلمية، فسجل عن تاريخهم الشيء الكثير في مؤلفاته، حتى لتصلح أن تكون مرجعا للحركة الفكرية في العصر الحديث! وفي كتاب الأسمار والأحاديث تشريح هام لآراء المفكرين من أدباء وشعراء، وقد أجرى الدكتور على ألسنتهم كثيرا من المعاني التي يحتمل أن تصدر عنهم، إن لم يكن بعضها صورة حقيقية لما قالوه. وقد اختص المدرسة الاتباعية في الشعر بحوار كبير، ونقل كثيرا من آراء الهراوي والأسمر والجارم والزين وعبد الجواد رمضان والقاياتي وعبد الله عفيفي، وكلها تدور حول الشعر والشعراء في نسق مؤتلق وضيء. ومهما يكن من شيء فسيظل القراء يذكرون لمبارك أسلوبه الجميل الرقراق، ويشهدون أنه قد نقل الغزل الرقيق من ميدان الشعر إلى ميدان النثر، فوصف في مقالاته العواطف الثائرة، وشرح الأحاسيس الملتهبة، ونقل للقراء زفرات مبثوثة من الوجد الصارخ، إذ تحدث عن مسارح لهوه وملاعب صباه في سنتريس وأسيوط وباريس ومصر الجديدة وبغداد وحلوان، وأحسن القول في صدود الحسان، ومعاقرة الكؤوس، ونزق الصبا، ومفاتن الشباب، في طراز فاتن يأخذ بالألباب.
لقد كان الدكتور مبارك - رحمه الله - حركة دائبة مؤثرة في الأفق الأدبي، ولو قدر له أن يجتاز الأعوام الثمانية التي مرت عليه في خريفه كما اجتاز عمره السالف بين الصحف والأوراق لكان ذا شأن عظيم، ولكن القدر شاء أن يأسف عليه الأدباء مرتين، فهم يأسفون لما غمره في أخريات أيامه من القلق والاضطراب، كما يأسفون لرحيله الصامت الساكن بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس، فجف الغدير المترقرق، وصوح الزهر الناضر، وطار البلبل الصداح
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر