للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أو كسب أنصار وأعوان، بل فاقتها في الحدب على الفقير، ولأخذ بناصر المسكين والضعيف، حتى لكان قلبها الرقيق يتقطع حزنا وأسى لمجرد مشاهدة الفقراء والبؤساء، وتبادر لتوها بمسح جراحات نفوسهم ببلسم رحمتها، وندى كفها، ورفيع إنسانيتها، مما جعلها سيدة عصرها. وكم من مرة أنقذت أرواحا أمر الإمبراطور بإزهاقها في ساعة غضبه، وردتها على أصحابها سعيدة شاكرة.

ولا غرو إذا أحبها الإمبراطور ذلك الحب الجارف الفذ، وعندما اعتلى العرش زادت مظاهر حبه لها بما كان يغدقه عليها من الأموال والجواهر، وما كان يبديه لها من وافر المحبة والاحترام في الحفلات الخاصة والعامة. ويظهر أن شدة رغبته في إسعادها جعلته ينفق بسخاء. بل ويبذر تبذيرا شنيعا أثر في خزينة الإمبراطور أسوأ تأثير. ففي احتفاله الأول بعيد النيروز (عام ١٦٢٨ م) أمر بعرشه الثمين فنصب في حديقة القصر اليانعة التي غصت بالزينة والتهاويل، وحفت به زوجته وأولاده والأمراء والأميرات وكبار الحاشية وسط مظاهر الترف والعظمة التي لم تشهد مثلها دول المغول، والتي كان يحرص عليها (شاه جاهان) كل الحرص، وأراد أن يبلغ بها النهاية. وعندئذ تعطف وأطلق يده بالعطاء فخص زوجته بنصف مليون ربية، وكل أبن من أبنائه الأربعة بمائتي ألف، وأبنته الكبرى (جاهان آرا) بمثلها، وابنته الصغرى (روشان آرا) بخمسين ألف ربية، هذا عدا ما أغدقه على حميه (آصف خان) وعلى بقية الحاشية.

ثم إنه اندفع في إنشاء عدد وافر من الأبنية العظيمة التي تعد من أجمل وأروع ما بنى في الهند، بل وفي العالم أجمع. ويظهر أنه حاول بذوقه الرفيع وموارد الإمبراطورية الواسعة أن يأتي بما لم تأته الأوائل، وأن تكون له قصور فخمة تتفق وعيشة الترف التي انتهجها وحرص على التوسع فيها لأبعد حدود التوسع. وكان من نتيجة ذلك، أنه أخلد إلى الدعة ولذا ذات العيش والرفاهية، ولم يعد يفكر في الغزوات وفي خوض غمار الحروب وإخضاع الثورات كما كان في صدر شبابه. أحب السلم والبناء وكرس لها كل وقته وجهوده وترك شؤون الإمبراطورية لوزرائه وأبنائه. ويظهر أن بعض المؤرخين ظلمه بقوله إنه كانت له القاجارية لم يكتف بهن بل راح يبحث عن خليلات أخر بين نساء أمرائه وحاشيته. ولكن يصعب تصديق مثل هذه الرواية إذا عرفنا مقدار حبه لزوجته

<<  <  ج:
ص:  >  >>