من قبله أن أضن بكرامته. وإذا كانت كرامته تأبى أن تنزل منزلة يوجه إليه من أجلها شيء يقدح فيها، فأنا أيضاً أنزهه عما ظن في كلامي من (الشتائم والتنقص والسباب). وإذا كان كلامي الطويل العريض، كما وصف، ليس فيه يقنع المنصفين، وليس هو إلا فقرات مبعثرة مضطربة أسوقها مساقاً مهلهلا لا يعرف الدقة ولا الحدود، وإذا كان كل ما أقوله لا أبغي منه إلا إرسال الكلام في الهواء، وإذا كنت عنده لست مؤرخاً، ولم أخط كتابا في التاريخ، وأني أدخلت نفسي في قوم لست منهم، فأظن أن واجبه على الأقل أن يلغى كل ما أقول بمرة، فإن من الشقاء له أن يتعقب كلام كاتب هذا شأنه.
وأنا لا أستطيع صادقا أن أفهم الأستاذ الفاضل مما أقول، فقد عرفت هذا بالتجربة. وإذا كان مما يرضيه أن أقول له إني مخطئ في كل ما قلت قديما، وما أقوله الآن، وما سوف أقوله إلى أنيكف لساني وقلمي عن اللجاجة وإرسال الكلام، فأنا أقول له: إني أخطأت، وسوف أخطئ، ولن يسمع مني إلا ما أنا مقر نفسي بأنه خطأ محض. وأزيده أني عاجز كل العجز عن مقامة حجته، وعن دفع براهينه، وعن التصدي لما يحسنه من العلم. بيد أني أعود فأسأله أن يتغمد سوء أدبي بفضله، وإذا كان قد استخرج من كلامي سبابا وشتائم، فأنا أعيذه أن يكون غرضا لها، وأعتذر إليه، وأستغفر الله مما أزلفت إليه من إساءة، وله أحسن الأسوة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن بعض السفهاء لم يتورعوا قط عن سبهم والطعن فيهم، بأقبح اللفظ. فأين يقع مثلي من هؤلاء! فإني مهما ملكت من السباب والشتائم والبذاءة وسوء الأدب، فلن أبلغ بعض ما بلغوا من هؤلاء الصحابة، فلا عليه مني ومن سبابي وشتائمي. وليعلم الأستاذ الفاضل، إن كان لا يعلم، أن هؤلاء السفهاء في الدنيا كثير، فإذا كان يغضب لكل سفاهة من سفيه، فإن شقاءه سيطول بغضبه، فدع السفهاء وليقولوا ما شاؤا، وكن أنت ضنينا بكرامتك، فإنها أعز وأغلى من أن تبذل على الألسنة. وتقبل إن تفضلت عذري وشكري واحترامي وتقديري، وعجزي عن مخالفتك، وحبي لرضاك، وقد بلغت مني في مقالك ما شئت، وناصيتي بيدك، وفي المثل:(ملكت فأسجح). فافعل مؤيدا منصورا، والسلام