للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصديق، وقد قالوا: إنه مشتق من الصديق، وذهب الطيبون من الناس يستطيبون الحديث في شأنه ويصورونه صورا تخلب اللب، وتسترق القلب، حتى يحسب الإنسان أنه حقيقة من الحقائق التي يجب الإيمان بها، غير أني لست بمصدق شيئاً من ذلك؛ فالحياة لا تقرنا على ما ندعى ووقائع الأمور تنافي دعوانا في وجود هذا الشيء الذي أطلقوا عليه أربعة حروف يمكن الاستعاضة عنها بأربعة آخرها القاف أيضاً. . .!

قلت: ماذا؟. . ماذا. .؟، إنك تضرب في واد بعيد؛ فإن الرأي وليد المعرفة المستفادة من طبيعة الأمور؛ فما هي الألفاظ التي تريد استعاضتها حتى تصور حقيقة كلمة (صديق)!؟.

قال: لن يفلت زمام القول مني؛ لأعلمك مدى تعلقي بالحقائق، وعدم تحلقي بالأوهام.

قلت: قد يكون الوهم في بعض الأمور تصويرا لحقيقة عائبة لكني لا أريدك على ملازمة عقيدتي في تقدير طبائع الأشياء. . .

قال: على أية حال؛ سأعلمك أن الأحرف الأربعة لن تترك مدلولها في ذاتها لا تتعدى تركيبها إلى إنسان من لحم ودم؛ فلنقر بأن هناك صورة (لفظية) اسمها (صديق) لكن اللحم والدم مصوران في تصوير لشيء آخر مخيف، مفظع كئيب لا تود العين أن تقع عليه. . .

قلت: أعترف بأن بحثك مشوق، لكني لا أعلم قدر تسميتك لمن نطلق عليه اسم الصديق وهو موضع الأنس، وأصل الرجاء، وهتفة القلب!

قال - مستضحكا -: كلام شعر!، وكم جنى الشعراء على أمثالك؟

قلت: إنك لعنيف اليوم، فرقق ويرفق!

قال: لعلك بدعوتك إلى رقتي وترفقي تريد إنزالي منزلة ما تتوهم أنه (صديق)؟

قلت: ومن ذا أنت إذن؟

قال: أنا رجل أستطيب الحديث معك؛ فأحادثك أضيع وقتي في أمر ذي بال لأني لست عاشق لعبة النرد أو الورق أو (الشطرنج)!

قلت - معجبا -: تريد القول بأن تعرفك على مصدره (رغبة) في نفسك تريد الإفضاء إلى إحساس مشترك؟

قال. لقد قاربتني، وأدنيت شعورك مني؛ فلولا رغبتي في قضاء وقت ما أريتك وجهي.

قلت: أو تجابهني بهذا القول؟، أما نعلم أنه موضع إبجاعي؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>