ثم قدم الربيع وانتشرت بمقدمه الأزهار والأطيار في كل ناحية على الأرض غير بستان هذا المارد اللئيم الذي لم يبرحه الشتاء. أن الأطيار لم يعنها أن تغرد فيه حين غاب عنه الأطفال؛ وإن الأشجار قد نسيت أن تورق أو تزهر. . . ولقد أخرجت إحدى الأزهار الجميلة مرة رأسها من بين الأعشاب فهالها أحزنها أن ترى لوحة الإعلان تمنع الصغار من غشيان البستان، وانسلت هاربة لتستأنف نومها العميق الذي كانت مستغرقة فيه. ولم يكن في العالم أحد قد استولى السرور عليه غير (الثلج) و (الجليد) اللذين قالا في نفسيهما:
إن الربيع قد نسى هذا البستان، ولذلك فإننا سنحيا هنا طول العام!
وكذلك طغى (الثلج) على الإعشاب وأسبل عليها طرف ردائه السابغ، وانتشر (الجليد) على الأشجار فكساها حلة من الفضة ازدانت بها، ثم انهما أمراً ريح الشمال أن تبقى معهما فلبت أمرهما، وجاءت ملتفة بالفراء تصفر طوال النهار خلال البستان والمداخن، فرحة بهذا المكان البهيج.
ثم انهم قرروا دعوت (البرد) فنزل وأنشأ يتحدر كل يوم ثلاث ساعات بشدة حتى يكسر بلاط القصر، فإذا تم منه هذا أمعن هرباً حول البستان يطوف بأقصى ما أوتي من سرعة! لقد كان برداً عجيباً أغبر، وكانت أنفاسه بيضاء كالثلج!
وقد جلس المارد اللئيم ذات يوم في الشباك المطل على البستان الأجرد الشاتي، وقال يحاور نفسه.
- ما أقدر أن أفهم سبب تأخر الشتاء حتى الآن أو ما أظن إلا إن تغيراً قد طرأ على الجو.
ولكن الشتاء لم يأت، ولا جاء بعده صيف ولا خريف، بل إن الخريف نفسه جاء وانضج الثمار في كل بستان إلا في بستان المارد الذي كلن يعرفه الخريف لئيماً لا يحب أحداً غير نفسه!
إن المارد لمضطجع ذات صباح في فراشه فسمع أنغاماً شجية تطرق أذنيه خيل إليه لعذوبتها إنها من فرقة موسيقى الملك حين كانت تجتاز الطريق، ولم تكن تلك الأنغامالشجية غير صدح طائر صغير كان يشدو على بعد من نافذته. لأنه ما سمع من أمد بعيد شدو