القضايا وللآراء لا تنعقد بينها صلة، ولا تجمع بين أطرافها آصرة. .
وقد يشير الأديب أو يصمت، فيفهم الناس عنه ما يريد أن يقول، ويتجلى لهم رأيه على أحسن ما تكون الآراء عرضاً وتحليا، ويكون هم من صمته أبلغ بيان، وأوضح مقال، وأفصح كلام. .!
إلا أنه إذا جاز أن بكم فم خطيب ناشئ، أو يعقل لسان كاتب أو شاعر شاد ممن يتصدون للإصلاح وقد سلمت نياتهم - لأن ما يقوله أحدهم ربما يخطئه التوفيق فيبعد به عن معناه، ويجانب الغرض مبناه، فيثير الفوضى والشغب، ويورث العناء والنصب - إذا جاز ذلك مع واحد من هؤلاء، فلا ينبغي أن يتبع مع من يترقب الشعب بأسره، بل العالم العربي والإسلامي جميعاً نتاج قرائحهم، وثمار أفكارهم، ليحظى الناس هنا وهناك بالفكرة الواضحة، والقولة الناصحة، والرأي السديد، يشرق على الناس إشراق الشمس الضاحية، فيبدد غياهب الجهالة، ويزيل غاشية العماية، ويخرج بالقلوب الضالة إلى وضح النهج، وبالأفئدة الحيرى إلى لاحب الطريق وسواه السبيل، ويقع من التهم الباطلة موقع الماء يغسل الأوساخ، ويزيل الأدران، والعدل يمحق الزور والبهتان، والحزم يقضي على الظلم والطغيان
يجب على الألسنة أن تنطلق لتفصح عما يكنه الجنان، ولا يفصح عنه غير البيان. . وعلى الأقلام أن تتحرر للتعبر عن خلجات العواطف. وومضات الأذهان فإن قلم الكاتب الكبير قبس من نور الإيمان. وسلاح من أسلحة الديان، وجدول رقراق من فيض النبوة لا يغيض. .
لا تكمموا الأفواه الطاهرة، فذلك يورث الكبتة الدامية، ويؤدي إلى النكسة القاضية، فتتهامس الشفاه، وينبعث دعاة الشر بالفساد في كل مكان، وتتسابق شائعات السوء على كل لسان، فيتكهرب الجو ويخنق الأنفاس. ثم لا يجد صواب الرأي بين كل أولئك طريقه إلى الوجود، وسبيله إلى النور، ويجد أعوان الباطل سانح الفرصة إلى الظهور، وايسر المناسبات إلى إذاعة الفجور، فيضيع الحق الواضح، ويقبر الخير بأيدي أعدائه وأحبائه على السواء. .
لا تعقلوا الألسنة المبينة، ولا تقيدوا الأقلام المفصحة، فذلك تحطيم لمصابيح الهدى، ومحو لصوى الرشاد، وتشجيع للخيال الشريد أن يذهب في تعليل ذلك مذاهب شتى، فقد لا تثير