(١٧٩٧). وقد كان لعهده هذا التأثير بليغ في نفوس طلابه الذين جالت براعاتهم من بعده في صحف الأدب والفلسفة، وهو الذي يوصي زملاءه في إحدى محاضراته:(بأن يحذروا كل الحذر من أن يلقوا في نفوس طلابهم أن العلم بالغ أوج الكمال، أو أن يعلموهم ما هي ماهية الفلسفة، وإنما ينبغي لهم أن يلقونهم كيف يتفلسفون، وأن يساعدوهم - لا أن يحملونهم على ظهورهم - إذا أرادوا أن يعلموهم الدروج على الأقدام). والحق يقال أن (كانت) لم يخلق إلا ليعيش فيلسوفاً، ولم يلاق منه مذهبه إلا قريناً يحيا به ومعه، ناهيك ببعض مآثر رواها عنه القوم، تدل على ما أتصف به كانت من حب العمل والنظام والتوقيت ومواصلة الجهود الجبارة في سبيل دراساته المتتالية، فقد كان الرجل موفقاً كل التوفيق بين مذهبه وسلوكه؛ قد سن لكل شيء نظاماً، وأتبع هذا النظام كأنه الرسول يأمر وهو أول من يأتمر
وكان آخر كلمة له هذه الكلمة حين لقي حتفه عام ١٨٠٤:(أنه حسن!) كأنما يريد أن يقول (لقد عشت كما كنت أود أن أعيش)
فلسفته
بدأت فلسفة (كانت) تنمو شيئاً فشيئاً شأن كل فلسفة، وإنما تميزت من غيرها بطابع الاستقلال الذي انتحى بها ناحية جديدة، فقد تأثر كانت بمن تقدمه من الفلاسفة وأتخذ غذاءه العقلي منه، وما كاد ينشأ ويترعرع ويشتد ساعده حتى أعلن انفصاله عنه ونهج منهجاً جديداً أختطه لنفسه. وفي كتابه (آراء في التقويم الحقيقي للقوات الحية) حيث أراد أن يوفق في الفلسفة الطبيعية بين لبينيز وديكارت يقول: (قد أتمثل أن هنالك لحظات لا يقنع الإنسان فيها أن يعتمد على قوته، أن هذا الاعتماد ليولد فينا جهوداً متواصلة ويمنحها سبيلاً يفيدها في سعيها نحو الحقيقة، وجميل بنا أن ننخدع ألف مرة، لأن الضال المنخدع ليعمل على خدعة العلم أكثر ممن لا يسلك ألا السبيل المطروقة. . . أنني هنالك سأطأ. . . ولقد سلكت السبيل التي أردت أن أتبعها. . . سأسلكها ولم يقف سيري أحد)
أن هذه الثقة المطلقة بالنفس بدأ يظهر فضل إنتاجها في فلسفة (كانت) لأنها فرضت عليه أن يخط سبيلاً جديدة، ويطلع على الناس بمدرسة للفلسفة جديدة، وهل كان العصاميون ألا أبناء اعتمادهم على نفسهم؟ وقد ظهر أول إنتاجه في كتابه (تاريخ الطبيعة العالمي، ومنهج