بالانتخاب الحر، لا بالعهد، وكذلك كان عثمان بن عفان خليفة من بعده بالبيعة، إن الإسلام لم يحدد أسلوب الحكم، وترك ذلك لرأي الأمة، ولكنه وضع أساساً لا يمكن إقامة الأمر إلا عليه، وهو الشورى والانتخاب الحر، فإذا انتخبت الأمة رجلاً وبايعته حرم الخروج عليه، ومنازعته الأمر، لئلا تعم الفوضى، والفوضى أكبر ضرراً على الأمة من الاستبداد
ومعاوية جاء ببدعتين:
الأولى: أنه انصرف عما وضع في عنقه من أمانة الحكم، والنظر لمصلحة الأمة، إلى تمهيد الأمر لابنه يزيد من بعده، جمع لذلك فكره، وسخر لذلك ماله وسلطانه، فصارت سنة من بعده، أدت إلى إضاعة أمر المسلمين بانصراف الخليفة عنه إلى أمر ولده، وإلى تولية من لا يصلح للولاية
الثانية: أنه حول الانتخاب الإسلامي الحر الصحيح إلى نوع من الترغيب والترهيب والتدخل، ولو أن المسلمين كانوا أحراراً في انتخاب من يخلف معاوية ما انتخبوا يزيد، ولا يخلو من فضائل. ولكن هل كان يزيد أتقى الناس؟ أو هل كان أعلم الناس؟ أو هل كان أحق الناس بالخلافة؟
وهل سار يزيد بالدولة سيرة أبي بكر وعمر؟ أم أظهر المحرمات، وجرأ الناس على الباطل؟ ومن أطلق لسان الأخطل الشاعر النصراني في أنصار رسول الله إلا يزيد؟ من فعل بالمدينة ما لا تفعله الروم والمغول إلا يزيد؟
إنه إذا قيل عن الأسود أبيض، يقال عن الأبيض لا محالة أسود. فإذا كانت حكومة يزيد وأمثاله حكومة إسلامية، فإن حكومة عمر لا تكون إسلامية لأنهما متناقضان مختلفان
وإذا كان عهد معاوية إلى يزيد من الإسلام، فإن صرف عمر الأمر عن عبد الله ليس من الإسلام. هذا إن كانا متشابهين متكافئين، فكيف وهذا يزيد، وذاك عبد الله!
وأنت تذكر يا أستاذ أن الذي قال عن معاوية، لقد جعل الأمر كسر وياً قيصرياً ليس على الطنطاوي! وأنت تعلم يا أستاذ رأي عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين في أهله من بني أمية، وفي حكمهم، وفي الحجاج وأمثاله خاصة!
وأنا أشكر لك نصحك الناس ألا يلوثوا ألسنتهم بدماء القوم، وأنا أول من يسمع هذا النصح، وما بي والله عداوة الأمويين، ولا محبة غيرهم، ولكن المقام مقام الدفاع عن الإسلام، ببيان