وأن أبتعد عن كل شيء يتصل بالمجهودالجسمي، ولكنهم غير متفقين اتفاقاً تاماً يتصل بمسألة الغذاء
فقالت مسز سابلتون:
- ألم يتفقوا؟
وكان صوتها في هذا السؤال صوت الذي جاهد التثاؤب في اللحظة الأخيرة. ثم لم تلبث أن ابتهجت فجأة وبدا عليها مظهر التنبه الشديد. . . غير أن هذا التنبه لم يكن لحديث فرامتون. ثم صاحت:
ها هم قد عادوا آخر الأمر في الوقت المناسب لشرب الشاي. ألا يبدو عليهم أن الأوحال تغطيهم إلى رؤوسهم؟
فارتجف الفتى ارتجافاً خفيفاً، ثم نظر إلى ابنة الأخت نظرة تحمل معنى الإشفاق. وكانت الطفلة تحدق من خلال الباب المفتوح، وفي عينيها معنى الرعب الخاطف: فدار فرامتون في مقعده وقد أحس بصدمة مرعشة من جراء خوف لا يدرك معناه ونظر إلى حيث تنظر الفتاة
فرأى خلال الغسق الهابط ثلاثة أشخاص يجتازون الحق إلى الباب المفتوح، وكانوا جميعاً يحملون البنادق على سواعدهم، وكان أحدهم يحمل ما عدا البندقية معطفاً أبيض من معاطف المطر ألقاه على كتفه، وكان يتعقب أقدامهم كلب صغير أسود تبدو عليه مظاهر التعب. واقترب هذا الجمع في سكون من البيت، وإذا بصوت فتى أجش يغني في الغسق:
(إني أسألك يا برثي لماذا تثب؟)
لم تكد عين فرامتون تقع على هذا المنظر حتى أمسك في عنف بعصاه وقبعته، وفي أسرع من لمح البصر كان قد اجتاز باب الردهة والممر المرصوف والباب الخارجي كأنه السهم المارق، حتى أن رجلاً مقبلاً على دراجة لم يتق التصادم به إلا في اللحظة الأخيرة منحرفاً فجأة إلى السور
ودخل القادمون من الباب المفتوح وقال حامل المعطف الأبيض:
- ها نحن يا عزيزتي قد عدنا ملوثين بالأوحال ولكن أكثرها جاف. ولكن من هو الرجل الذي اختفى لمجرد ظهورنا؟