وأشتهر هذه (المجامع) التي نريد التنويه بفضلها هو (مجمع الشاطري) في سيئون، ومجمع (ابن سلم) في الفيل، ومجمع (مشهور) في الشحر. والمجمعين الأولين، أكثرهما تأثيرا في الحياة العقلية، وأبعدهما خطرا، في الحياة الاجتماعية. وإليهما ينتسب أغلبية (المتعلمين) من ذوي الكفاية النادرة، والإنتاج الرفيع. وقد كان يقوم بتدريس اللغة العربية، وأصول الشريعة الإسلامية فيهما أساتذة قديرون حذقوا تلك (الاختلافات) في المسائل الفرعية التي امتلأت بها كتب (الحواشي) المطولة و (الشروح) التقريرية.
ويكفي للتدليل على أهمية هذه (المجامع العلمية) أن يكون من خريجيها أمثال السيد (ابن هاشم العلوي) والمرحوم الشيخ (عبد الله محمد بن طاهر) والأديب المؤرخ (سعيد عوض با وزير) والسيد (محسن جعفر بوفمي). وغيرهم كثيرون.
وهذا لا يمنع أن يكون لدينا من الملاحظات عن هذه (المجامع العلمية) ما يفيد في تصوير الأحوال، داخل هذه (الجوامع). وهي ملاحظات استخلصناها أثناء مراجعاتنا للأنظمة التعليمية في المدة الحاضرة، وأولى هذه (الملاحظات) هو ما نسميه اليوم (بفوضى المناهج) فالطالب في هذه (المجامع) لا يمكن أن يتقيد (بالزمن) سواء أكان في التحاقه، أو في الأعوام الدراسية أو في مواعيد حضوره وغيابه.
وقد يبدو أن هذه (الملاحظة) ليست على شيء من الأهمية، أو الخطورة والعكس - في نظرنا - هو الصحيح. فإن هذه (الفوضى) تكون قد حرمت الكثير، الفرصة للاستفادة من (المواعيد) ولذلك تضطرهم إلى البقاء داخل هذه (الجوامع) أعواما أطول.
وثاني هذه (الملاحظات) أن هذه (الجوامع) تسرف كثيرا في مناقشة (الآراء) المتضاربة أو ما يسمونه بأقوال (الحواشي) وهي أقوال عديمة الفائدة، وتؤثر في نفسية (الطالب) تأثيرا خطيرا ينتهي به إلى (الفناء) وسط تلك (الحواشي) ويبعده عن الجوهر والعرض.
وهناك غيرهما من (الملاحظات). غير أننا لسنا بصدد الدراسة الخاصة. وفي هذا القدر الذي أثبتناه ما يكفي للتعريف بأحوال (المجامع) ونظام دراستها.
وظهرت في هذه الأثناء (المدرسة الحديثة) وهي تختلف تمام الاختلاف عن نظام الدراسة في تلك (المجامع العلمية). وأولى هذه المدارس هي مدرسة (الدباغ) في المكلا. وكان قد دعا إلى تأسيسها السيد (حسين آل الدباغ) وهو من الحجازيين الذين فروا على أثر الحملة