إحدى الليالي فعلاجه يسير وهو قراءة بضعة أسطر في كتاب. إننا نحن الذين غرسنا في نفسه الكراهية للعلم، وقضينا عليه ألا يتابع التطور الفكري ويتخلف عن قافلة الزمن؛ هذا بجانب النسيان الذي يقضي على معلوماته المكروهة وهو يفزعه ولا يهمه أن ينسى كل ما درسه. أليست معه الشهادة تلك الوثيقة الرسمية من الدولة؟ ماذا يهمه حتى لو أنه أصبح أميا!
إننا في حاجة إلى سياسة محدودة مدروسة في المراحل التعليمية المختلفة لنصل إلى الهدف التربوي الصحيح؛ ونقضي على الركود الفكري والأمية الفاشية بين كثير من المعلمين منا. ففي مراحل التعليم العام يجب أن نراعي وضع البرامج التي تمكن كل فرد من أن ينمي ما تنطوي عليه نفسه، وأن نجعل المدرسة صورة مصغرة للمجتمع الكبير حتى يتدرب النشء على الحياة نفسها. . . فالتربية ليست إعدادا للحياة بل هي الحياة نفسها.
أما الجامعات في كل أقطار العالم الراقية فهي معاهد للبحث تخرج العلماء في الفنون المختلفة ينزلون إلى الحياة وقد تدربوا على الأسلوب العلمي؛ يمنحون الإجازات الدراسية ليبدءوا حياة البحث والاستزادة. . مستقلين معتمدين على أنفسهم يستخرجون الحقائق الجديدة من المبادئ التي درسوها وبحثوها. أما إن جعلناها معاهد للدرس لنيل الشهادة ليحصل المتعلم على درجة ممتازة في كادر الموظفين فقد قبرنا مواهب شبابنا، وأقصيناه عن ميادين العلم والفن وجعلنا منه آلة متحركة وعبدا للوظيفة، وحرمنا مصر من نبوغ كامن كل ما يمكن استغلاله في اختراع والاستكشاف وكل ما يتصل بقوى الفكر. وإذا قضى على الناحية الإبداعية في التفكير فإن الأمة تصبح جامدة متخلفة ذات رتابة مملة وشخصية مطموسة.
جميل حقا أن نهتم بزيادة عدد المتعلمين وتيسر التعليم للجميع وأجمل من ذلك أن نهتم بنوع العلم الذي نقدمه. لقد أوليت لكم ما فيه الكفاية وبقى أن نولي الكيف عناية أشد.
إن هدف الأمم الديمقراطية في التربية هو تدريب النش على أن يفكر بنفسه لنفسه بتنمية قواه العقلية والنفسية والخلقية وتغذية ميوله الكامنة، وإعداد أصحاب النبوغ والعقليات والملكات الممتازة ليكونوا علماء الأمة وروادها في مختلف فنون الحياة. لذا أقول لا فائدة من وضعنا سياسة تعليمية نسير بها العلم وننشره ما لم نتجه نحو قيم جديدة نصل إليها