للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وودعت (هانز) وأرسلته إلى المعركة، وقلبي يفيض إعجابا ونفسي تتيه فخارا. وقد كنت أنا أيضا أعتقد أن الحرب ستضع أوزارها عمل قليل، وأن (هانز) سيعود إلى سليما قويا آمنا. وانقضت شهور عدة فما خمد لهيب الحرب وإنما ازدادت الممالك المشتركة فيها عددً وعددا. وكان (هانز) يرسل إلى بين الحين والحين بعض الرسائل - وهو في ميدان القتال - فكنت أجد فيها قليلا من المتاع واللذة، وشيئاً من الراحة والطمأنينة، ووميضاً من السلوان والأمل! ولكني ما كنت أريد إلا أن أرى وجهه، وأسعد به جواري مرة أخرى!

أواه يا قلبي!

إنني ما رأيت (هانز) بعد ذلك اليوم أبدا، وما كنت أحسب أنني قد ودعته الوداع الأخير! فقد ترامى إلى أن طائرة فرنسية دمرت الكمين الذي كان يختبئ فيه - بعد مضي عشرة شهور من بدء الحرب - فقضى نحبه محترقا. وكاد الحزن يفقدني عقلي ويورثني الخبل. . .

ومن ذلك اليوم تولدت في نفسي الكراهية والبغضاء لفرنسا وتمنيت لو استطعت أن أثأر لزوجي أو أنتقهم له من أولئك الذين قتلوه! وأحببت لو أن فرنسا خرجت منهزمة منكسرة من الحرب، بل مدمرة مهدمة مخربة! ولكن السنين - وا حسرتاه - قد خيبت ظني، إذ وقعت الهزينة على ألمانيا؛ فملأت الأحلام المفزعة فؤادي، وأفعمت الأوهام القاتلة خيالي؛ فصدقت كل ما يقال عن قسوة الألمانيين، وكل ما يذاع من أبناء اعتدائهم على الأطفال الآمنين والنساء الضعيفات. فدعوت الله من قلب خالص أن ينصر القيصر ويكتب له الفوز المبين!!

. . وفي يوم من أيام سبتمبر من عام ١٩١٨ أجلى الفرنسيون الألمان عن قريتنا، ولكن المانيين تمكنوا - قبل غروب شمس ذلك اليوم - من استرداد قريتهم المسلوبة ومحاصرتها وتطويقها. . .

واستيقظت على حين غرة على صوت مزعج ودوي هائل وضجيج وجلبة الاستقبال التي في الطابق الأسفل من منزلي، فارتديت منامتي على عجل واضأت المصباح الكهربائي الذي ينير الدرج ثم هبطت الدرجات مسرعة يدفع بعضي بعضاً

فماذا رأيت هناك؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>