للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لقد دبت في مصر حياة جديدة، خصبة غاية الخصوبة، مشرقة كل الإشراق، تريد أن تستنقذ الكنانة العزيزة من الوهدة التي انحدرت إليها وكادت أن تتردى فيها. . .، والكتاب رسل الإصلاح والخير والحق والجمال. . . وهم سناد النهضات، وأعمدة الكفاح. . وإذا كان بعض الكتاب قد أسروا بأنهم كانوا لا يستطيعون الإعلان عما يريدون حلال الفترة العصيبة التي مرت بالبلاد من قبل، فقد جاء الوقت الذي يمكن توجيه الشعب فيه إلى العمل الصالح، والحياة الطيبة، والارتفاع فوق الصغائر والدنايا والشهوات والآثام.

لقد استجاب الشعب للوثبة الجديدة فبرهن على ضمير نقي، مازال حيا، فعلى الكتاب أن يمدوا هذا لضمير بالنور والنار، والحب والخير.

مذكرات الرافعي

ها هو ذا الأستاذ عبد الرحمن الرافعي، مؤرخ الجيل، بضع أخيراً بين أيدينا، مذكراته السياسية بعد أن أرخ مصر منذ أول الحركة القومية، في بضعة عشر مجلدا، تعتب في مقدمة الأبحاث التاريخية الخالصة، المجردة من الهوى، والغاية، التي ظهرت في عصرنا الحديث.

ومع أن عبد الرحمن الرافعي من أقطاب الحزب الوطني، ومع أنه عاش في تلك الفترة المظلمة التي ضعفت قدرة الناس فيها عن الجهر بالحقائق، واصطنعوا المداورة في الكتابة حتى لا تمس هذا أو ذاك، إلا أنه كتب التاريخ في صراحة وجلاء ودون محاباة، ووضع حياته ومصالحه في كفه، والحقائق في الكفة الأخرى. . . وقامر بالأولى وضيعها في سبيل الأخرى.

والرافعي بعيد الأثر في جذور النهضة المعاصرة؛ فقد كان أول من تحدث في حرية عن سعد زغلول وفؤاد والأحزاب السياسية القائمة، وكانت لكتاباته نتائج جعلته موضع الاضطهاد من جميع الجهات، كرهه الإنجليز وكرهه رجال القصر، وكرهه رجال الأحزاب، لأنه كتب عنهم في صراحة وكشف عن عيوبهم وأخطائهم.

رجل يفعل هذا لابد أن يكون قد تجرد من مطامع دنياه، فهو على حد المثل يروي عن عمر (إن كلمة الحق لم تدع لي صديقا)، لقد وهب الرافعي نفسه لتاريخ مصر، وآلى على نفسه أن يحرره خالصا بالحق وللحق، وافتدى به كل مطمع من مطامع الدنيا. وأنفق على طبع

<<  <  ج:
ص:  >  >>