للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واحدة حاولت أن أنشر في الجزء الخاص بعباس الثاني، بعض ما حوته المذكرات من وقائع، مما تسمح القوانين القائمة بنشره. ولكن عندما تم طبع هذا الجزء في مطبعة بنك مصر، وقبل توزيعه، اتصل الأمير محمد علي - وكان بعضهم قد أبلغه - بالمشرفين على المطبعة، كما اتصل بالسراي، وبالنائب العام، لوقف صدور هذا الجزء إلا بعد تعديله. وأجبر الرجل المؤرخ على تغيير صفحات كثيرة، واستغرق ذلك مني جهدا جديدا. وبذلك اختفت نهائيا تلك الحقائق والوقائع التي لا يعرفها إلا القليلون.

ولقد رجوت الرجل في أن يودع لدي الأصول الخطية لمذكراته، فقد يجيء اليوم الذي يمكن نشرها فيه، ووعدني بهذا، ثم بدا له خاطر أن يودعها في صناديق مقفلة تحفظ في دار الكتب المصرية إذ ذاك. . ولكن المنية عاجلته قيل أن يفعل. وعلمت مع الأسف أن معظم هذه المخطوطات قد أعدمه أولاه. وأرجو ألا يكون ما بلغني صحيحا.

ولقد كان في وسعي أن أنقل لنفسي بعض هذه المخطوطات. ولكن وقف في وجهي أنني كنت أمينا عليها، وأن الرجل كان واثقا بأمانتي!

والحقيقة الثانية أن الكتب المدرسية التي لا يقرأ معظم المتعلمين غيرها في تاريخ تلك الفترة، هي التي طبعت غالبية العقليات. وهي كتب مزورة كما قلت. ومع هذا فهي لا تزال مقررة في المدارس. وهذه مسالة خطيرة جدا.

لقد تركنا أجيالا من التلاميذ والطلاب في خلال مائة وخمسين عاما مضللة، لا تعرف شيئا حقيقيا عن أخطر مرحلة في تاريخ مصر الحديث، بل في تاريخ الشرق كله.

تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن محمد علي أوجد مصر الحديثة من العدم. ولم يكن هذا صحيحا؛ فمصر كانت قبل محمد علي أقوى بكثير في جوانب شتى. ويكفي أن نعرف أن الفرنسيين عندما استولوا على مصر خاضوا مع الشعب معارك كثيرة وفي كل مكان قبل أن تخضع مصر لهم؛ وظلت الثورات الشعبية تهددهم طوال مدة إقامتهم. وكان ذلك قبل استيلاء هذه الأسرة الملوثة الشاذة على مقاليد الحكم في البلاد. بينما الإنجليز وجدوا الطريق أمامهم مفتوحة بعد نصف قرن فقط، ولم يجدوا مقاومة شعبية تذكر؛ لأن طغيان هذه الأسرة كان قد حطم كبرياء الشعب وروحه المعنوية في أوائل عهد توفيق!

تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن تحطيم محمد علي للحركة الوهابية في الجزيرة العربية كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>