للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جميعا ماعدا الفتاة. فالفتاة لم تزل إلى اليوم أشبه بالتركة البغيضة، والسلعة البائرة، والمتاع الهين المهين. ويظهر أن للعقلية التي كانت تسيطر على أجدادنا منذ عشرات الأعوام فحسب، كانت امتدادا لعقلية الجاهلية الأولى، ولذلك نرى تصرفاتهم تصر على اعتبار الفتاة من سقط المتاع، وكمية مهملة لا قدر لها، وإلا فلم حرموها الميراث وأوقفوا أملاكهم على الذكور دونها، كأن الله لم يخلقها لتعيش كويمة سعيدة وإنما خلقها لتهون وتشقى، وتذوق الأمرين في ظل شريعة العقول الرجعية الآسنة. وإن تعجب فعجب لهؤلاء الأجداد المسلمين الذين كانوا يؤدون شعائر الدين، ويفهمون تعاليم الإسلام كيف جاز لعقولهم أن تتنكر لنظام الشريعة العادلة، وتتمرد على نظم قوانينها في الميراث، ولم تجئ هذه القوانين إلا وفق العدالة الاجتماعية. وكيف فات هؤلاء أن البنت أقرب الرحم إليهم، وأن الله سائلهم عن هذه الرحم التي اشتق لها اسما من أسمائه، ووعد بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها كما في الحديث الشريف المشهور. أجل إن الله سائلهم عن هذه الرحم كما جاء في الآية الأولى من سورة النساء.

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا) لسنا ندري كيف جاز لعقول هؤلاء الأجداد، ما داموا مسلمين، أن يتمردوا على الإسلام فيتنكبوا طريقه، ويتمردوا على قوانينه العادلة التي اعتبرت الفتاة مخلوقا له وجوده وكيانه فأعلنت حقها في الميراث بجانب الذكر، وتوعدت المتمرد بغضب الله وشديد عذابه.

(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر، نصيبا مفروضا) (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين. .) (تلك حدود الله. . . ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين).

وبعد. . فنحن الآن في موكب التحرير، وأظن أن الفرصة قد سنحت لمحق هذه البدعة المقيتة، بدعة حرمان الفتاة من الميراث، هذه البدعة التي لا يقرها عقل، ولا ترتضيها شريعة، وأملنا أن ينالها التطهير في هذا العهد المشرق الجديد.

الإسكندرية

<<  <  ج:
ص:  >  >>