للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تثير إعجاب الناس في بلد عرف أهلوه بالحماسة والوفاء، فأحبها وأغرم بها ضابط باسل خطبها وهو يحدث نفسه بأن من كانت تظهر هذا الإخلاص للميت، تظهر ولا شك مثل هذا الإخلاص للحي، إلا أنها خيبت أمله في ذلك إذ لم يكن في وسعها أن تصرف فكرها عن ذكرى حبيبها الأول! على أنه أصر على طلبه قائلاً: أنه يكفيه منها التقدير بديلاً عن الحب. وساعده عليها اقتناعها بجدارته وعوزها واعتمادها على الغير إذ كانت تعيش على ما تجود به الصديقات، فنجح في النهاية في الحصول على يدها مع تأكيد رهيب بأن قلبها ما زال ملكاً لغيره ولا سبيل إلى صده عن هواه

سافر بها إلى صقلية لعل تبديل المناظر يمحو ذكرياتها القديمة، ولقد كانت رقيقة القلب مثال الزوجة الصالحة؛ فحاولت أن تسعد بزواجها، إلا أن هذا الهم الساكن وذلك الحزن الكامن لم ينجح فيهما علاج

فذبلت رويداً رويداً، وأخذ منها الهزال مأخذه، فسارت وشيكاً إلى انحلال لا أمل في البرء منه وهوت أخيراً إلى قبرها ضحية القلب المحطم

وقد نظم فيها مور الشاعر الأيرلندي الشهير أبياته الآتية:

بعيدة عن الأرض التي بها مثوى بطلها الحبوب،

يلتف حولها المحبون وهم يصعدون الزفرات،

إلا أنها تشيح عنهم بوجهها وتأخذ في النحيب،

فقد علق قلبها بالثرى الذي ضم الحبيب،

تنشد أغني الفطرة عن مواطنيها السذج الأعزاء،

مؤثرة ما كان يحبه من بين تلك الأنغام.

آه ليس يدرس أولئك المعجبون بألحانها

كم يتمزق قلبها وهي تشدو بأنغامها!

عاش لحبه ومات في سبيل بلاده،

وكان هذان كل ما يعنيه من دنياه؛

وسوف لا تجف عاجلاً دموع بلاده عليه.

ولا أمل لمن أحبه أن يعيش طويلاً من بعده

<<  <  ج:
ص:  >  >>