بهم أسرعهما - اعني الفساد. وبعد، فسأترك موقفي هذا، وقد جرى على قضاؤكم بالموت، وكذلك هم سينطلقون كل إلى سبيله، وقد قال فيهم الحق كلمته، بان يعانوا ما هم فيه من ضعة، ولا بد لي أن اخضع لما حكم علي به، وعليهم كذلك أن يرضوا بما كتب لهم. احسب أن قد جرى القدر بهذا جميعا، فعسى أن يكون خيرا، ولا احسبه إلا كذلك.
وبعد، فيا هؤلاء الذين اجروا علي قضاءهم، هاكم نبوءتي التي احب أن أبلغكم إياها، لأني مشف على الموت، وتلك ساعة يوهب فيها المرء مقدرة على التنبؤ. أتنبأ لكم يا قاتلي بأنه لن يكاد ينفذ حكم الموت حتى ينزل بكم ما هو اشد من ذلك الذي هولا. لقد حكمتم بموتي، لأنكم أردتم أن تفلتوا من ذلك الذي يتهمكم، ولكيلا تحاسبوا على ما قدمت أيديكم، ولكن لن يكون لكم ما ترجون، بل نقيضه. فسيكون متهموكم أوفر عددا منهم اليوم، إذ سيهب في وجوهكم من كنت مسكنهم حتى الآن، وسيكون أولئك اشد قسوة عليكم لأنهم دونكم سنا، وسيذيقونكم من العذاب اكثر مما تذوقون اليوم، فان حسبتم إنكم خالصون من متهمكم بقتله، كي لا ينغص عليكم عيشكم، فانتم مخطئون، إذ ليست تلك سبيلا مؤدية إلى الفرار، ولا هي مما يشرفكم، وايسر من ذلك واشرف ألا تهاجموا الناس، بل تبادروا بإصلاح أنفسكم. تلك هي نبوءتي التي ابلغها إلى القضاة الذين حكموا علي، قبل رحيلي.
وانتم أيها الأصدقاء الذين سعوا إلى برائتي، احب كذلك أن أتحدث إليكم عما وقع، عندما يشغل الرؤساء، وقبل أن اذهب إلى مكان مدني، فالبثوا قليلا، لأننا نستطيع أن يتحدث بعضنا إلى بعض ما دامت هناك فسحة من وقت. انتم أصدقائي، واحب أن أدلكم على معنى هذا الذي وقع. يا قضاتي - فأنا أدعوكم قضاة بحق - احب أن أحدثكم بأمر عجيب، لقد كانت مشيرتي حتى الآن، تلك المشيرة التي عهدتها في دخيلتي، لا تفتا تردني في توافه الأمور، أنكنت مقدما على زلل أو خطا في أي شيء، والآن - كما ترون - قد داهمني ما يحسبه إجماع الناس أقصى الشرور واقساها، ولم تلوح لي مشيرتي بعلامة العارضة حينما تركت داري في الصباح. ولا حين كنت اصعد إلى هذه المحكمة، ولا حين ألقيت كل ما اعتزمت أن أقوله، ومع أني عورضت كثيرا أثناء الحديث، إلا إن المشيرة لم تعارضني في كل ما قلت أو فعلت مما يتصل بهذا الأمر، فبم أعلل هذا، وكيف افهمه؟ سأخبركم: أني اعد هذا دليلا على ان ما حدث لي هو الخير، ويخطئ من يظن منا إن الموت شر. هذا