للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أكثر منها فلا يقنع بها ولا يعرف لذتها. يشكو الأزواج أبداً نسائهم ولا يشكر أحدهم المرأة ماتت، وانقطع حبله منها أمله فيها؛ فإنه يذكر حسناتها ويعرف فضائلها. أما أنا فإني أقول من الآن - تحدثاً وإقرارا بفضله - إني سعيد في زواجي وإني مستريح.

وقد أعانني على هذه السعادة أمور يقدر عليها كل راغب في الزواج، طالب للسعادة فيه، فلينتفع بتجارب من لم يجرب وليسمع وصف الطريق من سالكه من لم يسلك بعد هذا أولها: إني لم أخطب إلى قوم لا أعرفهم، ولم أتزوج من ناس لا صلة بيني وبينهم. . فينكشف لي بالمخالطة خلاف عنهم، وأعرف من سوء دخيلتهم ما كان يستره حسن ظني، وإنما تزوجت من أقرباء عرفتهم وعرفوني، واطلعت على في بيتهم واطلعوا على حياتي في بيتي. إذ رب رجل يشهد له الناس بأنهم أفكه الناس، وإنه زينة المجالس ونزهة المجامع، وهو في بيته أثقل الثقلاء. ورب سمح هو في أهله سمج، وكريم في أسرته بخيل، يغتر الناس بحلاوة مظهره فيتجرعون مرارة مخبره. .

تزوجت بنتا أبوها ابن عمي لح، وهو الأستاذ صلاح الدين الخطيب شيخ القضاء السوري المستشار السابق والكاتب العدل الآن. وأمها بنت المحدث الأكبر، عالم الشام بالإجماع الشيخ بدر الدين الحسيني رحمه الله. فهي عريقة الأبوين، موصولة النسب من الجهتين.

والثاني: أني اخترتها من طبقة مثل طبقتنا. فأبوها كان مع أبي في محكمة النقض، وهو قاض وأنا قاض، وأسلوب معيشته قريب من أسلوب معيشتنا، وهذا هو الركن الوثيق في صرح السعادة الزوجية، ومن أجله شرط فقهاء الحنفية (وهم فلاسفة الشرع الإسلامي) الكفاءة بين الزوجين.

والثالث: أني انتقيتها متعلمة تعليما عاديا، شيئا تستطيع به أن تقرأ وتكتب، وتمتاز من العاميات الجاهلات، وقد استطاعت الآن بعد ثلاثة عشر عاما من صحبتي أن تكون على درجة من الفهم والإدراك، وتذوق ما تقرأ من الكتب والمجلات، لا تبلغها المتعلمات، وأنا أعرفهن وكنت إلى ما قبل سنتين ألقي دروسا في مدارس البنات، على طالبات هن على أبواب البكالوريا، فلا أجدهن أفهم منها، وإن كن أحفظ لمسائل العلوم، يحفظن منها ما لم تسمع هي باسمه. ولست أنفر الرجال من التزويج بالمتعلمات، ولكني أقرر - مع الأسف - أن هذا التعليم الفاسد بمناهجه وأوضاعه، يسئ على الغالب إلى أخلاق الفتاة وطباعها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>