التي تكلف فيها لتاريخ الشعري، فقد غالى في ذلك وأسرف، حتى كان يضمن البيتين ثمانية وعشرين تاريخا، أو ينظم القصيدة، فيلزم كل شطر من شطراتها تاريخا، كقصيدته في تهنئة إبراهيم باشا في فتح مكة.
تعجبني لباقة الأستاذ الزيات ولفتته الأدبية في تعريف الأدباء وتحليل نتاجهم الأدبي. هو كصيدلي بارع، يزن الدواء بمقدار. .
لنعد لمجرى الحديث عن أديبنا الحاج مجيد، فهو أديب عرفته الأوساط الأدبية في القرن التاسع عشر بالعبقرية والنبوغ وسعة الفكر والخيال والدين، ويكاد رحمه الله يختص بأدب التاريخ، وهذه الملكة الفنية عنده من السهولة بمكان. وقد حدثني عنه صديقي الأستاذ اليعقوبي، عميد جمعية الرابطة الأدبية في النجف، أحاديث من الغرابة بمكان، بحيث يؤرخ في بيت واحد من الشعر تواريخ عدة، لا يستطيعها غيره من الأدباء، وغير من أرشدنا إليه الأستاذ الزيات:
عاش شاعرنا وقضى باكورة شبابه والشيء الكثير من شيخوخته بين الزاغ والدياغ، وما تتطلبه مهنة العطارة وتقتضيه، كي يحصل على قوته ويوفر لأهله الخبز الحر الذي يستسيغه ويستطيبه من كده وكدحه. وهو من المؤمنين بحكمة المثل القائل: من عجز عن زاده اتكل على زاد غيره. . وكان رحمه الله مثالاً صادقاً من أمثلة المسلم الصحيح، ذا نسك ودين، كما ينبئ بذلك قوله:
ما شاقني قرب الحمام وإنما ... أشتاق قرب الواحد المنان
لأشم ريح العفو عند لقائه=وأذوق طعم حلاوة الإحسان
وقوله مناجيا ربه:
أمحصلاً ما في الصدور بموقف ... لا عذر فيه لنا من العصيان
ومن ظريف ما يروى عنه رحمه الله أن شاعرنا مكثراً استحسن بيتين لشاعرنا فشطرهما. فصار البيتين والتشطير أربعة أبيات، ثم شطر الأربعة أبيات فصارت ثمانية، ثم شطر هذه أيضاً فصارت ستة عشر بيتاً، ثم شطر الستة عشر بيتاً، فصارت اثنين وثلاثين بيتاً، كتبها وقدمها إلى صاحبنا العطار.