الكل كما تتأثر الأرض بالمياه الجوفية. وفيه من المتناقضات لطول عهده ولأنه وإن كان أدب لغة واحدة فهو جماع آداب لأمم مختلفة في عصور متباينة تحت ظروف لا تكاد تتشابه. ولم ينقد هذا الأدب الطويل العريض نقدا مميزاً.
وأدب الأمم الأخرى المعاصرة نشأ في عهد أقرب وفي بيئات أكثر اندماجاً وظروف اكثر تشابها فلم تحتج كحاجتنا إلى التوجيه والإرشاد.
ابتعدت الأمم الأخرى في عصورها القريبة عن محنة الاستعمار وتعدد المستعمرين واختلاف آثارهم - كل ذلك كون لكل دولة شخصية اكثر تماسكاً وأكبر استقلالاً. وتلك مزية فيهم والمزية كما يقولون لا تقتضي الأفضلية؛ ففينا مقابل هذه مزايا من عمق الأيمان. ومن الصبر والاطمئنان. ومن المرونة الاستعداد للتطور. ولكننا بما لنا وعلينا في حاجة اكبر إلى إلغاء أهداف وإلغاء وسائل. والتخلي عن آراء وهجر عادات ومحاربة تقاليد الاندماج بعد ذلك في موكب واحد نحو هدف واحد.
ذلك كان إحساس الأمة التي عبرت عنه بصيحتها في فجر نهضتها إذ تهتف قلوبها على السنة قادتها بالاتحاد والنظام والعمل.
ولقد كان إنشاء وزارة جديدة للدعوة والإرشاد وسيلة لتحقيق هذا الاتحاد، لكنه ليس بمأمون مع ذلك أن تتشعب وتتفرع وتنداح وتنساح فكرة تبدو اليوم موحدة وتجري عليها سنة الخلق من توالد وتكاثر.
وليست الوزارات بالعمل الذي ينشأ من أجل ليلة وضحاها، وإنما هي للغد البعيد وما يليه. وضمانا للتوحيد في كل ما تقدم مما اختلف على طول العصور يجمل أن توضح البرامج الواسعة النطاق - ما كان منها صالحا للتنفيذ اليوم وما كان منها منظما للآمال والغايات البعيدة.
وسبيل ذلك التأليف بين رجال الفكر الدارسين ورجال الفن الحساسين. ونحسب هذا لا يكفل إلا بإنشاء الأكاديمية المصرية التي طال انتظارها (مجمع فكري).
ومجمع اللغة العربية والمجمع العلمي لم يكونا إلا خطوتين في سبيل هذه الغاية. ووزارة الإرشاد خطوة ثالثة. وإنما ينظم هذه الخطوات مجمع من رجال الفكر يكون كل رجاله من المؤلفين والدارسين فهؤلاء أكفل لحياة الوزارة الجديدة من مديرين ووكلاء وموظفين. إن