ثم ساقه الحديث إلى القطب الشيرازي العلامة المطلق، وفخر الإسلام البزدوي وصدر الشريعة فأفاض في الحديث. وقال: لفخر الإسلام البزدوي كتاب في الأصول منقطع النظير، حدث شمس الدين الأصفهاني شارح الطوالع أنه دخل على أستاذه القطب الشيرازي فرأى عنده كراسات على وسادة، فقال ما هذه؟ قال: إني منذ سنة كذا أقرأ كتاب البزدوي، وأنقل عنه وما أنهيته. ولصدر الشريعة كتاب تعديل العلوم في المنطق والحكمة والكلام والتصوف والأخلاق. رأيت منه نسخاً كثيرة. وله كتاب التنقيح وشرحه التوضيح
سأل سائل لماذا قل أمثال هؤلاء العلماء بين المسلمين اليوم؟ قال لذلك أسباب: منها أن أسلافنا كانوا يطلبون العلم للعلم لا يبغون من ورائه شهادة ولا منصباً؛ كان كل منهم يتخذ عملاً يعيش منه ثم يحصل العلم عن جهابذته. ولم تكن أساليب التعليم صناعية آلية كنظام المدارس في الوقت الحاضر؛ ومن الأسباب انقطاع الرحلة، كان سلفنا يشدون الرحال في طلب العلم لا يفترون، فيلقى بعضهم بعضاً، ويأخذ بعضهم عن بعض. الخ. أنظر إلى قضاة السلف كيف يفرون من القضاء إشفاقاً على دينهم؟. هذا أبو علي الصدفي أحد قضاة الأندلس ذبح الذبائح وحج شكراً لله على خلاصه من القضاء. ومن القضاة الأباة عظماء النفس، أهل التقوى أبو بكر بن السليم القاضي الأندلسي، وله رأي في الفقه معروف:(أن الإنسان إذا اشترى بيتاً فوجد به بقاً فله خيار العيب) ومنهم ابن زر القاضي، وكان في عهد المنصور بن أبي عامر. وحسبك بقاض يتعاظم على مثل المنصور. وله كتاب الخصال الكبير والخصال الصغير في مذهب مالك، رأيتهما في مجريط. وقد قيل أن من قرأ الخصال استغنى به عن الكتب الأخرى، وكان الأندلسيون ذوي همة عظيمة في تحصيل العلم؛ وكان طلابهم يبدءون بحفظ التسهيل لابن مالك، ومختصري ابن الحاجب في الفقه والأصول، هذا عند المتأخرين. وأما من قبلهم فكانوا يحفظون الموطأ، ومن قبل هؤلاء كانوا يحفظون تهذيب المدونة، وسلفهم كانوا يحفظون المدونة، وكان ابن بشكوال يحفظها كلها، وكان الرازي يحفظ كتاب الشامل لإمام الحرمين، وهو مجلدان في علم الكلام. وأرى أن تفوق الأندلسيين كان من عنايتهم بأمهات الكتب. كانوا يقرءون في النحو كتاب سيبويه، وأين من كتاب سيبويه كتاب الأشموني وحاشية الصبان؟ وقد رأيت في مكتبة الأسكوريات خط أبي علي الشلوبين على كتاب سيبويه بعدد الكتب التي قرأها في النحو وكلها من