واسع يفصل حريم الدار عن ثويّ الرجال، وكان الليل طاخياً، فلم أزل أتخبط حتى لمست باباً توهمته باب المنزل فدخلت، ولكني لم أجد سلماً أرقى فيه، فاستغربت ورحت أدور بالمكان، ويدي على الجدار، فكنت أجد أبواباً، بعضها مفتوح، والبعض مواربٌ أو مغلق، ولكن لامرقات، فقلت أخرج من هذا التيه، وتركت الجدار واندفعت، ويداي أمامي لتتلقيا عني الصدمة إذا بلغت حائطاً أو شبهه، وإذا باللفافة التي معي تلمس جسماً فيسقط منه شيء على الأرض فأفزع، وأدع اللفافة تهوي، ثم إذا بواحد يهجم علي فأقع ونتدحرج معاً على البلاط وهو ممسك برجلي يريد أن ينزعها، وأنا أدفع في بطنه، حتى تخلى عن رجلي فدرت على ركبتي، وقد أيقنت من صمته أنه غريب واغل يتلصص، وألفيت يدي على عنقه، فأخذت بمخنقه، فلكمني بجمع يده فانقلبت على ظهري وقد تخليت عن رقبته، فانقض علي، فضربت برجلي فأصبت جنبه، فمال عني فنهضت على ركبتي وجعلت أضرب بيدي، ولكن في الهواء، حتى لمست رأسه فقبضت على شعره وجذبت بكل ما فيّ من قوة، فنطحني في بطني، فانثنى بعضي على بعض، فركلني برجله، فتدحرجت كالكرة. فعدا يريد أن يجهز عليّ فأخطأني وخبط الباب برأسه فكأن قنبلة انفجرت في سكون الليل، وإذا بصوت رجل يصيح:
(مين. .؟)
ثم انقطع الصوت، لأن صاحبه على ما يظهر داس بعض الطعام الذي تبعثر في المكان، فتزحلق فوقع على الأرض كالحجر، وكنت أنا قد نهضت، ولمست يدي باباً ففتحته ودخلت، وأنا أسوي شعري وأمسح وجهي وأنفض التراب عن ثوبي، وكانت هذه لحسن الحظ غرفتي، فقد سمعت شريكي فيها يقول وهو يثب عن السرير
(ما هذه الأصوات! ماذا جرى؟)
فقلت - وقد ارتدت إليّ نفسي - (لا أدري. . يظهر أن هنا لصاً، قم فلننظر)
فصاح:(لص؟) وأسرع إلى الشباك فنادى
(يا ولد! يا مخيمر! يا مخيمر!)
وفتحت الأبواب، وأطلت منها رؤوس النوام - أو الذين كانوا نوّاماً - وكثر اللغط، وعلت الضجة، واختلطت الأصوات، وصار هذا يسأل عن الخبر، وذاك يدعو مخيمر وغيره ممن