للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التربية ذهبوا إلى أن الطفل يتعلم عن طريق حاسة اللمس في أيامه الأولى. ويروي صمول سميلز (أن أماً سألت قساً عن الوقت المناسب لتربية طفلها الذي كان عمره حينئذ أربع سنين فأجابها: (لقد فقدت هذه السنين إن كنت لما تبتدئي في تربيته)

ولكن الواقع أن تربيته قد بدأت بالفعل، وإن توهمت أمه غير ذلك، فالطفل يتعلم بالمحاكاة البسيطة، وهذا التكوين الأولي لخلق الطفل يلازمه طيلة حياته. ومن هنا صح قول ملتون (الطفولة عنوان الرجولة كما أن الصبح عنوان النهار) ويقوى هذا النقل ويعظم بالتربية المدرسية والإطلاع على أحوال الأجيال الغابرة، وتعرف بالآداب الماضية والحاضرة

وهذا العامل مع ما سبقه في تنازع مستمر وتجاذب دائم وهذا التنازع هو الذي يفرق بين الناس، فمنهم ضعيف الاستعداد الذاتي، مستسلم لما ينقل لا يرى رأياً جديداً، ومنهم ناقد لما يختار وقلما يرى رأي غيره، ولا يراه إلا بعد تدقيق وتمحيص. وعامل النقل ظاهر الأثر في الحكم الأدبي، فرأي القارئ في قصيدة مثلاً مرتبط بكيفية معرفته المعاني العرفية المتعددة لكلماتها وتصورها، وبكيفية ائتلاف هذه المعاني في ذهنه، وبالحد التي تضبط إليه خبرته الذاتية العامة المعنى المركب الذي ألفته هذه المعاني الجزئية. وهكذا فما يأتي في ذهن القارئ نتيجة مجموعة مبهمة من التأثيرات الخارجية

ثالثاً: سلامة الفكر أو النزاهة - وهذه الصفة هي التي تجعل الحكم محكماً وتربط بين العقول، أو بعبارة جامعة تجعلنا إنسانيين. وأصدق التعاريف لها هو (تقدير كل الاحتمالات الممكنة، وعدم ترجيح إحداها إلا بمرجح) فأي قصيدة مثلاً تقدم نفسها إلينا على أنها محتملة مقاصد كثيرة، وهذه الاحتمالات ميادين صالحة للمران العقلي، وقد يؤثر بعضها في بعض، وما دامت هذه الاحتمالات تنال نصيباً من عنايتنا فإن أحكامنا تكون نسبية في مأمن من الزلل، ونحن حين نفرض كل الاحتمالات الممكنة نكون أكمل في معنى الإنسانية البعيدة عن التحيز منا حين نستبد بفرض واحد بعينه ثم نلتمس له بالبراهين. ثم الرأي القائم على النزاهة لا يكاد يتسرب إليه الوهن، لأننا قبل الأخذ به نفند ما عداه من الآراء

رابعاً: فهم صاحب الأثر المنقود - وهذا يكون بتعرف خلقه وما فيه من لين وقسوة وقوة وضعف. فأدب القوة ينتجه أديب قوي، وأدب الضعف ينتجه أديب ضعيف، ولا عيب على كل منهما من الناحية الأدبية، فما عيب من يصدر عنه ما يمثل نفسه؟ أما أن يطابق الأدب

<<  <  ج:
ص:  >  >>