للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والكرام الكاتبون الذين يقترحون النظام الجمهوري على إطلاقه، إنما يتجاهلون عوامل كثيرة ما كان يصح إغفالها بالنسبة لمحيطنا الاجتماعي والسياسي؛ فمصر التي يعزها أبناؤها ويتمنون نجاحها وفلاحها، حرام عليهم أن يعرضوها لمحنة انتخابات رياسة الجمهورية كل أربع سنين أو سبع على هذا النحو المتبع أو المبتدع في البلدان ذات النظام الجمهوري العريق. ذلك لأننا ما برحنا نشفق من آثار الانتخابات النيابية التي كانت تنعقد بين الحين والحين، والتي كانت تفعل الأفاعيل في تمزيق الأواصر وقطع الروابط وتعطيل الأعمال وبذل الأموال.

صحيح أن قوانين الانتخاب التي سوف يتمخض عنها عهد الثورة لا بد أن تجنبنا كثيرا من الخطأ الذي وقع فيما مضى، فلا يكون ثمة غش ولا رشوة ولا تزييف، بيد أن العوامل النفسية لا يتسنى القضاء عليها بسن التشريع أو فرض القانون، فالنفس البشرية. لا تتغير، والمنافسات هي المنافسات، والمعارك هي المعارك. وكم من أسر كبيرة قطعت العداوة أرحامها وأضاعت الخصومة ثرواتها، وهيهات أن يقضي القانون على ما ركب في الطبائع الإنسانية من ألوان الانفعالات!

إذن ماذا يكون نظام الحكم عندنا بعد هذا الانقلاب المبارك؟

إن الذي يتبادر إلى الذهان أن النظام الجمهوري المألوف في أوربا هو أقرب النظم إلى الوضع الذي اصطلحوا على تسميته بالنظام الديمقراطي الصحيح، ولكن النظام الجمهوري بالنسبة لبلد مثل مصر يعد طفرة قد لا تكون محمودة العقبى، ذلك لأن بلادنا حكمت منذ عهد محمد علي حكما دكتاتوريا طاغيا امتاز في بعض الأحيان بمظهر دستوري خلاب، وربما يكون من الأوفق أن نتخذ وضعا بين الملكية والجمهورية، ولنطلق على هذا الوضع نظام (رياسة الدولة) على أن يكون اختيار رئيس الدولة بالانتخاب المباشر، أو بالبيعة على حد التعبير الإسلامي القديم، وتكون رياسة الدولة مدة الحياة أو إلى أن يسيء (الرئيس) استخدام سلطته، وعندئذ يعزله البرلمان أو يقيله الشعب، وفي كل حال لا يكون له سلطان الحكم المباشر، وإنما يتولى ولا يحكم ليكون مظهرا من مظاهر هيبة الدولة ومجادتها، شأنه في ذلك شأن الملك في إنجلترا أو رئيس الجمهورية في فرنسا.

ومعنى هذا أننا لا نريد نظام رياسة الدولة على النحو المتبع في إسبانيا أو في روسيا أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>