للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنت يا صديقي الشاعر في واد، والأمة التي أنت منها في وداد آخر. فإذا خفيت عليك فعال اللواء محمد نجيب، وهان عليك إنكار أعوانه الضباط ذواتهم في سبيل الوطن، وشغلت عن التفاف عشرين مليونا من المصريين حوله وقد أنزلوه في حبات قلوبهم، وذهلت عن مائة مخلوق كسالى وألف قعيد سفهاء من مالكي آلاف الفدادين انتزعت منهم لتوزع على فالحي الأرض وزارعيها، ولم تلتفت إلى شعب كانت سمعته تتمرغ في الأوحال فأنقلب فصار العالم يتطلع إليه يرمقه بعين الإكبار والإعجاب، إذا كان هذا بعض ما وقع بين سمعك وبصرك وأنت ذاهل أو غافل، أيصح لك بعد اليوم أن تدعي الشعر وتتكلم في الشعور؟

لقد انصرمت منذ طرد الطاغية ودك عرشه. لقد انقضت هاتيك الشهور في العمل الجدي المجدي، فقد زالت من عالم الوجود وأحزاب وأذناب، وانمحت من سجلات التقاليد ألقاب وأرباب، وطهرت الأداة الحكومية وانعدم الفساد والرشوة والوساطات والمحسوبيات، وشرعت محاكم الأمة تطهر مصر من الخونة والغادرين، وقع كل هذا بين سمعك وبصرك يا صديقي الشاعر، ألم يكن بعض ما وقع كافياً لتحريك رواسب نفسك الشاعرة؟

ألم تسقك قدماك إلى طريق عابدين؟ ألم تر المهانة والذل والانكسار تجلل القصر بوشاح أسود؟ ألم تنصت إلى صراخ حجارة القصر، إلى قاعاته وجدرانها، إلى كل ركن وناحية، إلى كل سرداب ودهليز ومخبأ، تجأر في طلب التطهير بالنار المحرقة مما دنسها من مخاز من إسماعيل الفاجر إلى فاروق الداعر؟

من الشعراء يا صديقي الشاعر من يعيش بنصف وجدان وثلث حس، وربع شعور، وجزء من بصر وسمع، وبعض جزء من الوعي والإدراك. هل أنت من هذا النوع من الشعراء، أو مجرد حتى من الكليات والجزئيات، أو أنك مستجم في قوقعة تنتظر وسوسة شيطان؟

عهدنا لكل شاعر شيطاناً يوحي إليه الشعر، ألم يجل في خاطرك يا صديقي الشاعر أن تستلهم الرحمن الرحيم مرة نظم القوافي، أو أنهما تركاك كما مهملا ونبذاك قصيا لا تصلح إلا لتعيش بنصفك البشري الأسفل؟

أقلب الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية أيضا فلا تتعثر قدماي بشاعر أو نصف شاعر أو شويعر واحد حي يعيش بين الأحياء في هذا العصر!

ليس في شعراء مصر اليوم من يعيش مع (نجيب محمد) ولا أقول محمد نجيب، لأن الشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>