يعتني بي بعيدون عني. أما معارفهم في المدينة الكبيرة والذين اعتمد عليهم أهلي وأحسنوا فيهم الظن، ولكن هؤلاء المعارف خيبوا ظن أهلي، لأنهم تخلوا عني بعد أن تنازلوا واستقبلوني في أول زيارة لهم لاستثقالهم لزيارتي في العطل ظنا منهم أن زيارتي هذه ستتكرر كثيراً. وهكذا بعد لأي شعرت بالوحدة القاتلة تلفني بأذيالها بين أترابي الكثيرين يا للظلم! كيف يمكن أن يحول حائل بين طفل فقير وبين بيته الذي ترعرع فيه؟ وما أشد الحنان الذي كان يساورني تجاه ذلك البيت وتلك الحيرة في تلك السنوات العجاف! وكيف أن بلدتي الأصيلة تعاودني في أحلامي بكنيستها وأشجارها ووجوهها! وكيف أني كنت أستيقظ باكيا وفي قلبي ألم ممض وشوق جامع لرؤية (كالن) الجميلة في (ولتشاير).
وطبيعي أن يكون الصبي هو كوليرج بالذات و (فالن) الجميلة هي (أوتري) في ديفون ولكن بصورة مقنعة، ومن الواضح الحلي أن كوليرج شعر بهذه الوحدة: لأن طبيعة مرهفة الإحساس كطبيعة لا يمكن إلا أن تشعر بها بكل حرارة وبكل قسوة وقد ذكر ذلك بجزع مروع في قصيدته (البرد في منتصف الليل) كما أنه وعد ابنه بحياة أسعد. ومن الحق أن نقول إنه لم يشعر بذلك طوال حياته. لأن رسائله الأولى تتضمن بع التلميحات والإشارات إلى الأمور العرضية والتافهة، ثم نرى لهجة هذه الرسائل تتغير تبعاً لنموه الروحي والفكري فتتحول إلى ذكر أشياء أخرى. وقد قال في سياق إحدى رسائله:(أرجو المعذرة إن ذكرتكم بأن عطلتنا ستبدأ في الأسبوع المقبل، وإنني سأخرج للنزهة لعدة أيام، فاطلب أن ترسلوا لي سروالا جديداً، لأن ذلك سيكون شيئاً لائقا بمظهري وخصوصا لأنني مضطر إلى الظهور أمام النساء). وأصبح في الوقت الملائم إغريقياً، فوقع في أحبولة الحب ونظم شعرا صبيانيا في هذا المعنى. ولو أن الغرام وما تبعه من نظم الشعر، لم يكن ذا شأن بذكر في عنفوان شبابه، إلا أنه قدر لكل هذا أن يكون له أعظم التأثير في الفترة التي تلت هذه الحقبة الجامحة من حياته. أما الفتاة التي علق بها والتي أوحت بكل هذا فكانت تدعى الآنسة (ماري ايفانز) وهي ابنة أرمل وأخت أحد أتراب كوليرج الذي كان يعتز بصداقته كثيراً.
يقول كوليرج متذكراً تلك الأيام (أواه! ما أجمل ساعات الفردوس بين السادسة عشر والتاسعة عشر من سني العمر، حيث كان (ألن)(تلميذ مدرسة) وأنا نحرس إيفانز في