للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النفوس وتعلم الأرواح معنى التضحية. . . والوطن ما الوطن - عند فيخت - إلا خلود الإنسان على الأرض، أتلك صفة محمودة فيمن يرغب عن مؤازرة أخيه بعقله أو بعمله؟ من هو ذلك الإنسان الذي يبغي ألا يخلق في فراغ الأزمان شيئاً جديداً لم يمر بخاطر، ولم يقع عليه ناظر؟ هذا الشيء الذي يغدو مورداً لا ينضب لاكتشافات جديدة؟ ومن الذي لا يرضى بأن يفادي بمقامه في هذا الوجود ويتجاوز من أجله القصير المقدر له لقاء بعض شيء سيخلد أبداً في هذه الأرض؟ أي خلق نبيل لا يرضى بهذا؟

ألا إن هذا الرضا لا يتمثل إلا لعيون الذين يعتقدون بأن الوجود كامل الصورة، ملائم كل الملائمة لحاجهم، وجامع لأمانيهم، ما خلق إلا لهم. وأصحاب هذه الفكرة هم عندي أصحاب هذا الوجود، وهم أصله ونواته. أما أولئك الذين ينظرون إلى الحياة غير هذه النظرة فليسوا إلا حشرات سحيقة تزحف في مسارب وجود سحيق)

وبينا كان فيخت يكسو فلسفته الآراء السامية، كان يعمل على أن يكسو نفسه أثواب السمو. ولكن الردى غاله ولما يؤد رسالته، فقضى نحبه سنة ١٨١٤ مستريحاً من جميع أوصابه

فلسفته:

فلسفة (فيخت) هي فلسفة رجل لا يعرف للعقل والقوة الإنسانية حدوداً يقفان عندها. وقد كان - كانت - يرى أن معرفتنا تقوم على أن نوفق بين العقل الخارجي وبين نظام إدراكنا الداخلي، وهو يرى أن وراء ما ندركه شيئاً قائماً بنفسه منسلخاً عنا لا يتطاول إليه إدراكنا. وما معرفتنا - عند كانت - إلا مظهر يتوارى وراءه السر الأبدي واللغز السرمدي. أما (فيخت) فهو يوقن بأن هذا المظهر نفسه هو الحقيقة ذاتها، وهو وليد قوة (النفس) التي لا تنفد، وذلك الشيء القائم بنفسه إن هو إلا حد يكبح قوة النفس ويحاول أن يقضي على سطوتها، ولكنه حد يزداد أمره ضعفاً كلما استطاعت النفس أن تبرز من قوتها وتفرض شيئاً من سيطرتها على الوجود؛ وبهذا كانت غاية العلم أن يتغلب العالم الداخلي وهو عالم العقل والروح على العالم الخارجي وهو عالم المادة

والنقطة الأساسية لفلسفة (فيخت) هي هذه الذات التي يجعل منها (الفاعل المطلق) في هذا الوجود، لكن هذه الذات لا تكمل لها معرفة ذاتها إلا إذاقورن بينها وبين غيرها، وبضدها تتميز الأشياء. فإن تخصيصي مثلاً لوجودي بقولي (أنا) يثبت منطقياً لغير ذاتي وجوداً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>