وكم سرنا بلا خوف جهاراً ... ركبنا الخيل أو جئنا السفينا
وإني الآن في خطب عظيم ... أرى في طيه داء دفينا
أتانا مخبر عن قوم سوء ... أرادوا وصفنا للحاكمينا
وخاف الضر أحبابي جميعاً ... وقالوا بالوشاية قد رمينا
فعجل بالرحيل بلا توان ... ولا تخبر صديقا أو خدينا
فأدرك يا أبي نجلا دهاه ... من الأهوال ما يوهي البدينا
فما خفت المنون ولا الأعادي ... نعم خفت انشراح الشامتينا
فسرت الليل يصحبني ثبات ... لخل نحو منزله دعينا
ورافقني خليل كان قبلاً ... يوافي حين كنا ظاهرينا
وأدركنا القطار بغير خوف ... وكنا بالثياب منكرينا
وألقى الله ستر الحفظ فضلاً ... فلم ترنا عيون المبلسينا
وكان الخل منتظراً قدومي ... بخيل أوصلتنا سالمينا
ونجى الله بعد اليأس عبداً ... يرى الرحمن خير المنقذينا
وإنك لترى هذا الشعر أقوى في الروح والأسلوب من شعره في أبان الثورة. وهكذا يبدو أن الهزيمة لم تنل منه. بل زادته قوة وحيوية وصلابة وبلاغة. وأن الشدائد قد صقلت مواهبه كما تصقل المعادن وتجلى جواهرها على لهب النار. فاحتفظ النديم في سني المحنة بما حباه الله من إيمان صادق. وعزم ثابت. وصمود على الأيام. وكذلك الشدائد والمحن. يختلف أثرها في نفوس الناس. فبينما تبعث اليأس والجزع في النفوس الضعيفة. نراها على العكس تزيد النفوس الكبيرة ثباتاً وصبراً وشجاعة وإيماناً. ومن هنا جاء شعر النديم بعد هزيمة الثورة أقوى منه في أوج انتصارها.
وفي الحق أن النديم هو الزعيم الوحيد بين الزعماء العرابيين الذي استمر في جهاده ضد الإنكليز وفي نضاله عن مصر في عهد الاحتلال. وتلك لعمري ميزة كبرى جديرة بأن تحيط اسمه بهالة من المجد والخلود. وقد اهتدت الحكومة إلى مكانه سنة١٨٩١ وقررت نفيه إلى خارج القطر. وفي أوائل عهد الخديوي عباس الثاني عفى عنه ورخص له بالعودة إلى مصر. فعاد إليها وأنشأ مجلة (الأستاذ) سنة١٨٩٢، فتجلت فيها روحه الوطنية التي لم