ولا يخفى أنه يجب أن يكون وراء الكشف عن مآثر وتراث أسلافنا فكر وطنية تعود على الأمة بالخير والنفع، فتحفز همتها وتُثار عزيمتها، ولسنا في هذا مبتدعين أو آتين بجديد. ونظرة إلى تاريخ العلوم والفنون عند الفرنجة نجدهم عند بحثم عن مآثر علمائهم ونوابغهم فيها يدخلون وراءها فكرات وطنية مستورة تتجلى لنا في كل مناسبة، وتتجلى لنا ايضاً في كتبهم وفي تدريسهم في الجامعات والكليات. وبذلك يكونون قد جعلوا النشء يؤمنون بقابليتهم ويعتقدون بعبقريتهم ويشعرون بقوميتهم، وفي هذا كله قوى تدفع الأمة إلى حيث المجد والسؤدد.
بعد هذا نعود إلى موضوع مقالنا فنقول: إن غياث الدين جمشيد الكاشي من الذين لم يكتب عنهم إلا الشيء القليل، وهذا الشيء القليل موزع في عدة كتب منها الصفراء (ومنها الخير الكثير) ومنها الفرنجية، ومنها التركية، ةوقد حاولت أن أستعين بما عثرت عليه في مختلف المؤلفات التاريخية، فوقفت والحمد لله إلى ترجمة متواضعة، أرجو أن أكون قد قمت بها ببعض الواجب نحو عالم من علماء المسلمين اشتغل في العلوم الرياضية، ومهر الرصد وبرع في الفلك
* * *
ولُد غياث الدين في القرن الخامس عشر للميلاد في مدينة كاشان مما وراء النهر، وكان يقيم فيها مدة ثم ينتقل إلى محل آخر، ولقد توجه إلى سمرقند بدعوة من أولوغ بك، الذي ان يحكم بأسم (معين الدين سلطان شاه) وفيها ألف أكثر مؤلفاته التي كانت سبباً في تعريف الناس به. ويقال إن الفضل في إنشاء مرصد سمرقند يرجع إلى غياث الدين وإلى قاضي زاده رومي، ولكن الأول توفي قبل البدء باجراء الرصد فيه، كما أن الاخير توفي قبل تمامه، وعلى هذا سُلمت أمور المرصد إلى على قوشجي، ولهذا المرصد أهمية كبيرة، إذ بواسطته أمكن عمل زيج (كوركاني) الذي بقي معمولاً به قروناً عديدة في الشرق والغرب، واشتهر هذا الزيج بدقته وبكثرة الشروح التي عملت لأجله. والكاشي من الذين لهم فضل كبير في مساعدة أولوغ بك في إثارة همته إلى العناية بالريضيات والفلك.
واختلف المؤلفون في تاريخ وفاة الكاشي، فبعضهم يقول إنه توفي حوالي سنة ١٤٢٤م، ويقول أخرون إنه توفي حوالي سنة ١٤٣٦ن، ولم نستطع البت في هذه المسألةن ولكنا