- ألا تظن أن العقل يبدو أكثر حرية حين نواجه ذلك الخضم غير المحدود، وأن أرواحنا لتتسامى حين نسبح في تأملاته، وأنه يوحي إلينا بالأفكار عن المثل العليا وعن اللانهاية؟
- كذلك الحال في مناطق الجبل
واندفعا يتحدثان عن الموسيقى الألمانية، والأوبرا الايطالية، إلى أن قال زوجها رداً على كلمة لهوميه عن تنسيق الحدائق:
- زوجتي لا تُعني بذلك، إننا ننصحها بالرياضة، ولكنها تفضل أن تظل في غرفتها تقرأ
وقال ليون - هذا ما أفعل. وإني لعلي يقين بأنه ما من شيء يفوق الجلوس في المساء بجوار الموقد مع كتاب نفيس، بينما الريح تسفع زجاج النوافذ، والمصباح يضيء ويلمع في الغرفة
وقالت وهي تحدجه بعينها السوداوين النجلاوين - هذا ما يختلج بنفسي
- وينسي المء كل شيء بينما الساعات تتعاقب. ويجول في البلاد التي يظن أنه يراها، وأما أفكاره التي تحملها الحوادث المختلفة فانها تجد اللذة كل اللذة في كل تفصيل، أو تتبع سير المخاطرات والحوادث، وتصبح جزءاً من الشخصيات المختلفة، ويتخيل المرء أن نفسه هي التي تتنفس في ملابسهم)
وضعت مدام بوفاري طفلة سمتها برتا وتركتها عند امرأة ترضعا وكان ليون يفكر فيها وهي تفكر فيه، وتراقبه وهو يمر تحت نافذتها إلى محل عمل مرتين كل يوم. وكانوت أحياناً يجتمعون في المساء، بوفاري وهو مييه يلعبان الورق، أما ليون فينصرف إلى الحديث مع دمام بوفاري
وأخيراً قرر أن يصرح لها بحبه. إلا كلما عزم لا يجد الشجاعة. وكان يكتب الرسائل ثم يمزقها. وكانت شجاعته تفارقه في حضرتها، أما هي فلم تسأل نفسها إن كانت تحبه، ففي اعتبارها أن الحب يأتي فجأة ع دوي قاصف وبرق خاطف، عاصفة من السماء تهب على الحياة فتقلبها رأساً على عقب، وتعبث بالارادة كما يحمل الهواء ورقة جافة وتلقي بالقلب في هوة ما لها من قرار
ولكنها كانت تراه يتقرب اليها، وتحصى حركاته وكلماته عندما تستلقي على فراشها، وتستعيد نظراته ثم تقول لنفسها وهي تضم شفتيها كأنما تتأهب لقبلة (ما أبهج ذلك! أهو