نصيب وافر في تهذيبها وصقلها وجعلها واقفة الانحدار كالجدار القائم، فبات النحت والكتابة عليها أمراً ميسوراً. وفي أسفل هذه الواجهة ينبوع ذو ماءٍ نقي جداً. فهنا كانت القوافل منذ الأزمان الغابرة تلقي عصا الترحال لتستريح من وعثاء السفر، وتروي غلتها من هذا المنهل العذب؛ كما أن معظم الجيوش التي سارت من أرض الفرس إلى شمالي بابل قد شربت من هذا الينبوع الشهير. ولقد أكتسب هذا الموقع مسحة تقديسية، كما يقول ديودوروس، لوجوده عند هذا النبع المتفجر
إن لهذا الصخر مزايا، منها اعتباره موقعاً مقدساً، فضلاً غن شموخه وانتصابه، ووقوعه على طريق رئيسية من طرق العالم القديم، ووجود المياه عند سفحه. فكل هذه أسباب وجيهة دواعٍ مهمة أهابت بداريوش الكبير (٥٢١ - ٤٨٥ ق. م) إلى أن يختار هذه الواجهة الجبلية القائمة ليجعل منها سجلاً خالداً على كر العصور، فنحت عليها الصور والكتابات الكثيرة التي كان يرمي من وراء صُنعها إذاعة فتوحاته وانتصاراته على جميع الشعوب المعروفة وقتئذٍ
٣ - المنحوتات:
تمثلُ هذه المنحوتات الملكَ داريوش، وبمعيته اثنان من قواده يحمل أحدهما قوساً والآخر رمحاً. والملك هنا واقف يتقبل شعائر الخضوع والإذعان من قادة العصاة ورؤسائهم المتمردين الذين ثاروا في وجهه خلال السنين الأولى من حكمه، وعصوا أوامره في أنحاء شتى من إمبراطوريته المترامية الأطراف. وقد داس الملك برجله اليسرى جسم رجل مطروح على ظهره، رافعٍ كلتا يديه مستعطفاً ومستغفراً. وأمسك داريوش بيده اليسرى قوساً، أما يده اليمنى فقد رفعها متجهاً بها نحو الإله (أورامزدا) الذي يظهر في وسط أشعة من الأنوار والبروق؛ وانتصب أمام الملك تسعة من هؤلاء القواد والرؤساء الذين شقوا عليه عصا الطاعة، وقد شُدوا من أعناقهم بعضهم إلى بعض بحبل واحد، وشد وثاق أيديهم وراء ظهورهم
ويبلغ طول واجهة المنحوتات نحو ١٠ أقدام وعرضها ١٨ قدماً؛ أما ارتفاع شكل داريوش فخمس أقدام وثماني عقد، وارتفاع كل سجين ثلاث أقدام وعشر عقد، أما ارتفاع أورامزدا من أعلى رأسه إلى منتهى أشعته فثلاث أقدام وتسع عقد، وارتفاع كل من تابعيه أربع أقدام