ويمكننا أن نعزو بقاء كتابات داريوش هنا، إلى أنها حفرت على واجهة صخرية قائمة الانحدار، بحيث أن التسلق إليها يُعد من الأمور المتعذرة. ولكيما يجعل مدونات بعيدة بقدر الإمكان عن أن تسطو عليها أيدي الأعداء وتنال منها مأرباً، فقد انتزع الزوائد الصخرية الكائنة تحت الكتابة، فتكون من جراء ذلك جدار صخري أملس، تعلوه الكتابات والصور. وهناك دلائل على أن الملك قد كون بعضاً من الطرق للصعود إلى هذا الصخر بحيث يُتاح للمارة أن يصعدوا ويتفرجوا على كتاباته ونقوشه. ولكن جميع تلك الطرق التي كانت مؤدية إلى الصخر قد انطمست معالمها الآن
وقد كان لتحفظ الملك وبُعد نظره التأثير الحسن في الابقاء على المنحوتات والمدونات، فنجت من التشويه والتلف الناجمين عن عبث يد الإنسان. ويمكننا القول بأن معظم التلف الذي أصابها إنما كان من تأثير العوامل الجوية، ومن رشح الماء خلال طبقات الصخور المكونة للجبل
ولم يقف عمل داريوش في إذاعة جبروته وعظمته في العالم عند هذه المنحوتات والمدونات، بل أراد أن يعمل غيرها من النسخ، لتصدر وتُذاع بين الشعوب البعيدة عن هذا الموقع، والداخلة في إمبراطوريته
فقد كشف الدكتور كولدواي في بابل عن قطعة من الترجمة البابلية. وإنا لنأمل في أن ما تم وما سيتم من الحفريات الأثرية في العراق وفارس يؤديان إلى اكتشاف نسخ أخرى تميط اللثام عن بعض المعميات التي تعتور النصوص الحالية
والخلاصة، أن هذا الملك العظيم، قد دون انتصاراته في اللغات الثلاث، التي كان لها أعظم الأهمية في العالم الشرقي وقتئذ، ولم يكتفِ بهذا بل جعله مطلاً على طريق رئيسية، وعلى قطعة ترتفع خمسمائة قدم فوق مستوى سطح تلك الطريق وبالقرب من الماء أيضاً، فلابد للمسافر من أن يستريح قليلاً هنا، فيتاح له عندئذٍ مشاهدة هذا الأثر ملياً والتساؤل عن ماهيته