التي تنفقها السفينة في رحلتها إلى دلفي، ذهاباً وإياباً، منذ الساعة التي يكلل فيها كاهن أبولو مؤخرة السفينة، فترة حرام، لا يجوز للمدينة خلالها أن تدنس أرضها بقتل أحد من الناس؛ وكثيراً ما اعترضت السفينة ريحٌ أخرتها، فأرجئ الإعدام أياماً طوالاً. فهذه السفينة كما سبق لي القول قد كللت في اليوم السابق لمحاكمة سقرط. فدعاه ذلك إلى أن يلبث في السجن ولم يعدم إلا بعد الإدانة بزمن طويل
اشكراتس - كيف كان موته يا فيدون؟ ماذا عُمل وماذا قيل؟ ومن ذا جاوره من أصدقائه؟ أم لم يأذن لهم ذوو السلطان بالحضور فمات وحيداً؟
فيدون - لا، بل رافقته من أصدقائه طائفة كبيرة
اشكراتس - إن لم يكن لديك ما يشغلك، فأرجو أن تقص على ما حدث، دقيقاً ما استطعت إلى الدقة سبيلاً
فيدون - لا شاغل عندي، وسأحاول أن أجيبك إلى ما رجوت، فليس كذلك أحب إلي من أن أكون ذاكراً لسقراط، سواء أكنت أنا محدثاً، أم كنت مستمعاً إلى من يتحدث عنه
اشكراتس - لن تجد من سامعيك إلا نفوساً ترغب فيما رغبتَ فيه وإني لآمل أن تكون دقيقاً ما وسعتك الدقة.
فيدون: - وإني لأذكر ما اعتراني من إحساس عجيب، إذ كنت إلى جانبه، لقد كنت بازائه غليظ القلب، يا اشكراتس، لأني لم أكد أصدق أني إنما أشهد صديقاً يلفظ الروح. إن كلماته وقسماته ساعة الموت، كانت من النبل والجلد، بحيث بدا في ناظري كأنه رافل في نعيم، فأيقنت أنه لابد أن يكون بارتحاله إلى العالم الآخر ملبياً لدعوة من ربه، وأنه سيصيب السعادة إذا ما بلغ ذلك العالم، إن كان لأحد أن يعيش ثمت سعيداً، فكان طبيعياً، وتلك حاله، إلا تأخذني عليه الرحمة، ولكني مع ذلك لم أجد في الحوار الفلسفي (إذ كانت الفلسفة موضوع حديثنا) ما تعودت أن أجده فيه من متاع؛ لقد كنت مغتبطاً، ولكني أحسست إلى جانب الغبطة ألماً، أنْ علمت أنه لن يلبث طويلاً حتى يموت. لقد ساهمنا جميعاً في هذا المزيج العجيب من المشاعر، فكان يتناوبنا الضحك والبكاء، ولاسيما أبولودروس لأنه سريع التأثر - هل تعرف هذا الضرب من الرجال؟