ينفر منه ويثور به ويرى إنه أصل هذا السخف الذي سيطر على المدينة ونشر فيها الفساد والاضطراب. فيعزل الفتاة إيزابيل من منصب التعليم، ويأمر أن يجري التعليم في المدرسة على ما يجري عليه في المدارس الأخرى في أضيق حدود التقاليد وقد أنبئ بأن مصدر هذه الإشاعة التي اضطربت لها المدينة إنما هو هذه الفتاة المعلمة، فهي التي ترى الشبح وتناجيه إذا كان المساء! وقد ثبت له ذلك. فأرصد للفتاة وطائفها ومعه نفر مسلحون حتى إذا كان المساء أقبلت الفتاة وأقبل الطائف فتحدثت إليه وتحدث إليها. وهما في حديثهما وإذا نار تطلق فيهوى الطائف إلى الأرض كما يهوى القتيل. ويظهر المفتش وأصحابه وهم لا يشكون في أن هذا الطائف ليس إلا شاباً أراد أن يغوي الفتاة فاتخذ صورة الطائف وشكل الخيال. ويحنو بعضهم على القتيل فلا برى جثة وينظر القوم فإذا الطائف يرتفع في الجو شيئاً فشيئاً حتى يسترد صورته الأولى ثم يقول: إلى غد يا إيزابيل! إلى غد في غرفتك إذا كانت الساعة السادسة!
فإذا كان الغد أقبلت الفتاة إلى غرفتها قرب الموعد المضروب وأقبل مراقب المكاييل والموازين فأخذ يتحدث إليها حديثاً فيه حب، فتريد أن تصرفه عن نفسها فيأبى ويعرض عليها الزواج، وهما في الحديث وإذا الطائف قد أقبل وطلب إليه أن ينصرف ويدعه مع الفتاة. ولكن الرجل يأبى ويلح في الإباء ويكون بينه وبين الطائف حوار عنيف دقيق أيهما يستأثر بالفتاة، والفتاة مترددة بين هذا الرجل الذي يمثل الحياة وهذا الطائف الذي يمثل الموت ولكن ميلها إلى الحياة ينتصر آخر الأمر فينصرف الطائف مهزوماً وتهوى الفتاة في غشية كأنها الموت. ويقبل المفتش والعمدة والصيدلي والتلميذات وبعض أهل المدينة وكلهم يريد أن يستنقذ الفتاة من هذا الإغماء. وكلهم يقترح لذلك دواء وطباًً ولكن الصيدلي يتقدم إليهم جميعاً في أن ينسوا الفتاة وينصرفوا إلى أنفسهم. ويستأنف كل منهم حياته في هذه الغرفة كما لو كان بعيداً عنها فهؤلاء يلعبون الورق وهؤلاء الفتيات بينهن حديثاً عادياً، وهاتان الفتاتان تتحدثان في الأزياء، وهذا المفتش ينطق من حين إلى حين بألفاظ تمس العلم والتعليم والديمقراطية وقد استحالت الغرفة صورة مصغرة للمدينة. وإذا الفتاة المغمى عليها تفيق شيئاً فشيئاً حتى تشترك في الحديث عن الأزياء ويأتي من يخبر بأن الأمور قد استقامت فخرجت قرعة النصيب للأغنياء دون الفقراء، ويعلن الصيدلي في ألفاظ تذكر